هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
https://she3r.alafdal.net/h1-page

 

 موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوسلمى
مبدع جديد
مبدع جديد



ذكر
عدد المساهمات : 36
العمر : 62
الموقع : مصر
العمل/الترفيه : مدرس
نقاط : 4642
تاريخ التسجيل : 19/10/2011

موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Empty
مُساهمةموضوع: موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد)   موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 19, 2011 7:56 pm

موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة
بسم الله الرحمن الرحيم


طهارة *
التّعريف :
1 - الطّهارة في اللّغة : النّظافة ، يقال : طهر الشّيء بفتح الهاء وضمّها يطهر بالضّمّ طهارةً فيهما ، والاسم : الطّهر بالضّمّ ، وطهّره تطهيراً ، وتطهّر بالماء ، وهم قوم يتطهّرون أي : يتنزّهون من الأدناس ، ورجل طاهر الثّياب ، أي : منزّه .
وفي الشّرع : هي عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة .
وعرفت أيضاً بأنّها : زوال حدث أو خبث ، أو رفع الحدث أو إزالة النّجس ، أو ما في معناهما أو على صورتهما .
وقال المالكيّة : إنّها صفة حكميّة توجب للموصوف بها جواز استباحة الصّلاة به ، أو فيه ، أو له . فالأوّلان يرجعان للثّوب والمكان ، والأخير للشّخص .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الغسل :
2 - الغَسل بالفتح : مصدر غسل ، والغُسل بالضّمّ : اسم من الغَسل - بالفتح - ومن الاغتسال ، وأكثر ما يستعمله الفقهاء من الاغتسال .
ويعرّفونه لغةً : بأنّه سيلان الماء على الشّيء مطلقاً .
وشرعًا : بأنّه سيلانه على جميع البدن بنيّة .
والطّهارة أعمّ من الغسل .
ب - التّيمّم :
3 - التّيمّم في اللّغة : مطلق القصد ، وفي الشّرع : قصد الصّعيد الطّاهر واستعماله بصفة مخصوصة لإزالة الحدث .
والتّيمّم أخصّ من الطّهارة .
ج - الوضوء :
4 - الوضوء بضمّ الواو : اسم للفعل ، وهو : استعمال الماء في أعضاء مخصوصة ، وهو المراد هنا وبفتحها : اسم للماء الّذي يتوضّأ به ، وهو مأخوذ من الوضاءة ، وهي الحسن والنّظافة والضّياء من ظلمة الذّنوب .
وفي الشّرع : أفعال مخصوصة مفتتحة بالنّيّة .
والطّهارة أعمّ منه .
تقسيم الطّهارة :
5 - الطّهارة تنقسم إلى قسمين :
طهارة من الحدث ، وطهارة من النّجس ، أي : حكميّة وحقيقيّة .
فالحدث هو : الحالة النّاقضة للطّهارة شرعاً ، بمعنى أنّ الحدث إن صادف طهارةً نقضها ، وإن لم يصادف طهارةً فمن شأنه أن يكون كذلك .
وينقسم إلى قسمين : الأكبر والأصغر ، أمّا الأكبر فهو : الجنابة والحيض والنّفاس ، وأمّا الأصغر فمنه : البول والغائط والرّيح والمذي والودي وخروج المنيّ بغير لذّة ، والهادي وهو : الماء الّذي يخرج من فرج المرأة عند ولادتها .
وأمّا النّجس - ويعبّر عنه بالخبث أيضاً - فهو عبارة عن النّجاسة القائمة بالشّخص أو الثّوب أو المكان .
والأولى منهما - وهي الطّهارة من الحدث الأصغر والأكبر - شرعت بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } الآية ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : » لا تقبل صلاة بغير طهور « .
والثّانية منهما - وهي طهارة الجسد والثّوب والمكان الّذي يصلّى عليه من النّجس - شرعت بقوله تعالى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } .
وقوله تعالى : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ } .
وقوله تعالى : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } .
وبقوله عليه الصلاة والسلام : » اغسلي عنك الدّم وصلّي « .
والطّهارة من ذلك كلّه من شروط صحّة الصّلاة .
ويرجع في تفصيل الطّهارة الحكميّة - وهي الطّهارة من الحدث - إلى مواطنها في مصطلحات : ( حدث ، وضوء ، جنابة ، حيض ، نفاس ) .
ما تشترط له الطّهارة الحقيقيّة :
6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يشترط لصحّة الصّلاة طهارة بدن المصلّي وثوبه ومكانه من النّجاسة . لما مرّ في الفقرة السّابقة .
ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابيّ : » صبّوا عليه ذنوباً من ماء « . وقال المالكيّة : إنّها واجبة مع الذّكر والقدرة ، وسنّة مع النّسيان وعدم القدرة .
والمعتمد في المذهب : أنّ من صلّى بالنّجاسة متعمّداً عالماً بحكمها ، أو جاهلاً وهو قادر على إزالتها يعيد صلاته أبداً ، ومن صلّى بها ناسياً أو غير عالم بها أو عاجزاً عن إزالتها يعيد في الوقت .
وأيضاً تشترط الطّهارة الحقيقيّة لصلاة الجنازة ، وهي شرط في الميّت بالإضافة إلى المصلّي.
وتشترط الطّهارة الحقيقيّة كذلك في سجدة التّلاوة .
واختلف الفقهاء في اشتراط الطّهارة الحقيقيّة في الطّواف ، فذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى اشتراطها ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » الطّواف بالبيت بمنزلة الصّلاة إلاّ أنّ اللّه قد أحلّ فيه المنطق ، فمن نطق فلا ينطق إلاّ بخير « .
وذهب الحنفيّة إلى عدم اشتراط الطّهارة الحقيقيّة في الطّواف .
قال الطّحاويّ : والأكثر على أنّها سنّة مؤكّدة .
وانفرد الشّافعيّة باشتراط الطّهارة الحقيقيّة في خطبة الجمعة .
تطهير النّجاسات :
7 - النّجاسات العينيّة لا تطهر بحال ، إذ أنّ ذاتها نجسة ، بخلاف الأعيان المتنجّسة ، وهي الّتي كانت طاهرةً في الأصل وطرأت عليها النّجاسة ، فإنّه يمكن تطهيرها .
والأعيان منها ما اتّفق الفقهاء على نجاسته ، ومنها ما اختلفوا فيه .
وممّا اتّفق الفقهاء على نجاسته : الدّم المسفوح ، والميتة ، والبول والعذرة من الآدميّ . وممّا اختلف الفقهاء فيه : الكلب والخنزير ، حيث ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى القول بنجاسة الخنزير كما ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى نجاسة الكلب ، وقال الحنفيّة في الأصحّ : إنّ الكلب ليس بنجس العين ، وإنّما لحمه نجس . ولمعرفة ما يعتبر نجساً أو غير نجس ينظر مصطلح : ( نجاسة ) .
النّيّة في التّطهير من النّجاسات :
8 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّطهير من النّجاسة لا يحتاج إلى نيّة ، فليست النّيّة بشرط في طهارة الخبث ، ويطهر محلّ النّجاسة بغسله بلا نيّة ، لأنّ الطّهارة عن النّجاسة من باب التّروك ، فلم تفتقر إلى النّيّة كما علّله المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
ولأنّ إزالة النّجاسة تعبّد غير معقول المعنى .
وقال البابرتيّ من الحنفيّة : الماء طهور بطبعه ، فإذا لاقى النّجس طهّره قصد المستعمل ذلك أو لا ، كالثّوب النّجس .
ما تحصل به الطّهارة :
9 - اتّفق الفقهاء على أنّ الماء المطلق رافع للحدث مزيل للخبث ، لقول اللّه تعالى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ } .
ولحديث أسماء رضي الله تعالى عنها قالت : » جاءت امرأة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة ، كيف تصنع به ؟ قال : تحتّه ثمّ تقرصه بالماء، ثمّ تنضحه ، ثمّ تصلّي فيه « .
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه يجوز تطهير النّجاسة بالماء المطلق ، وبكلّ مائع طاهر قالع ، كالخلّ وماء الورد ونحوه ممّا إذا عصر انعصر ، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت : ما كان لإحدانا إلاّ ثوب واحد تحيض فيه ، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها ، فقصعته بظفرها - أي حكّته - .
ولأنّه مزيل بطبعه ، فوجب أن يفيد الطّهارة كالماء بل أولى ، لأنّه أقلع لها ، ولأنّا نشاهد ونعلم بالضّرورة أنّ المائع يزيل شيئاً من النّجاسة في كلّ مرّة ، ولهذا يتغيّر لون الماء به ، والنّجاسة متناهية ، لأنّها مركّبة من جواهر متناهية ، فإذا انتهت أجزاؤها بقي المحلّ طاهراً لعدم المجاورة .
واتّفق الفقهاء على طهارة الخمر بالاستحالة ، فإذا انقلبت الخمر خلاً بنفسها فإنّها تطهر ، لأنّ نجاستها لشدّتها المسكرة الحادثة لها ، وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها ، فوجب أن تطهر ، كالماء الّذي تنجّس بالتّغيّر إذا زال تغيّره بنفسه .
وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ جلد الميتة يطهر بالدّباغة ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » إذا دبغ الإهاب فقد طهر « .
وقال المالكيّة والحنابلة بعدم طهارة جلد الميتة بالدّباغ .
لما روي عن عبد اللّه بن عكيم قال : » أتانا كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - بأرض جهينة ، قال : وأنا غلام - قبل وفاته بشهر أو شهرين : أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب « .
وعدّ الحنفيّة من المطهّرات : الدّلك ، والفرك ، والمسح ، واليبس ، وانقلاب العين ، فيطهر الخفّ والنّعل إذا تنجّس بذي جرم بالدّلك ، والمنيّ اليابس بالفرك ، ويطهر الصّقيل كالسّيف والمرآة بالمسح ، والأرض المتنجّسة باليبس ، والخنزير والحمار بانقلاب العين ، كما لو وقعا في المملحة فصارا ملحاً .
المياه الّتي يجوز التّطهير بها ، والّتي لا يجوز :
10 - قسّم الفقهاء الماء من حيث جواز التّطهير به ورفعه للحدث والخبث ، أو عدم ذلك ، إلى عدّة أقسام :
أ - ماء طاهر مطهّر غير مكروه ، وهو الماء المطلق ، وهو الماء الباقي على خلقته ، أو هو الّذي لم يخالطه ما يصير به مقيّداً .
والماء المطلق يرفع الحدث والخبث باتّفاق الفقهاء . ويلحق به عند جمهور الفقهاء ما تغيّر بطول مكثه ، أو بما هو متولّد منه كالطّحلب .
ب - ماء طاهر مطهّر مكروه ، وخصّ كلّ مذهب هذا القسم بنوع من المياه : فخصّ الحنفيّة ذلك بالماء الّذي شرب منه حيوان مثل الهرّة الأهليّة والدّجاجة المخلاة وسباع الطّير والحيّة والفأرة ، وكان قليلاً ، والكراهة تنزيهيّة على الأصحّ ، وهو ما ذهب إليه الكرخيّ معلّلاً ذلك بعدم تحاميها النّجاسة ، ثمّ إنّ الكراهة إنّما هي عند وجود المطلق ، وإلاّ فلا كراهة أصلاً .
وصرّح المالكيّة بأنّ الماء إذا استعمل في رفع حدث أو في إزالة حكم خبث فإنّه يكره استعماله بعد ذلك في طهارة حدث كوضوء أو اغتسال مندوب لا في إزالة حكم خبث ، والكراهة مقيّدة بأمرين : أن يكون ذلك الماء المستعمل قليلاً كآنية الوضوء والغسل ، وأن يوجد غيره ، وإلاّ فلا كراهة ، كما يكره عندهم الماء اليسير - وهو ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما دونها - إذا حلّت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيّره ، قال الدّسوقيّ: الكراهة مقيّدة بقيود سبعة : أن يكون الماء الّذي حلّت فيه النّجاسة يسيراً ، وأن تكون النّجاسة الّتي حلّت فيه قطرة فما فوقها ، وأن لا تغيّره ، وأن يوجد غيره ، وأن لا يكون له مادّة كبئر ، وأن لا يكون جارياً ، وأن يراد استعماله فيما يتوقّف على طهور ، كرفع حدث حكم خبث ووضوء أو غسل مندوب ، فإن انتفى قيد منها فلا كراهة .
ومن المكروه أيضاً : الماء اليسير الّذي ولغ فيه كلب ولو تحقّقت سلامة فيه من النّجاسة ، وسؤر شارب الخمر
وعند الشّافعيّة الماء المكروه ثمانية : المشمّس ، وشديد الحرارة ، وشديد البرودة ، وماء ديار ثمود إلاّ بئر النّاقة ، وماء ديار قوم لوط ، وماء بئر برهوت ، وماء أرض بابل ، وماء بئر ذروان .
والمكروه عند الحنابلة : الماء المتغيّر بغير ممازج ، كدهن وقطران وقطع كافور ، أو ماء سخّن بمغصوب أو بنجاسة ، أو الماء الّذي اشتدّ حرّه أو برده ، والكراهة مقيّدة بعدم الاحتياج إليه ، فإن احتيج إليه تعيّن وزالت الكراهة .
وكذا يكره استعمال ماء البئر الّذي في المقبرة ، وماء في بئر في موضع غصب ، وما ظنّ تنجّسه ، كما نصّوا على كراهة استعمال ماء زمزم في إزالة النّجاسة دون طهارة الحدث تشريفاً له .
ج - ماء طاهر في نفسه غير مطهّر ، وهو عند الحنفيّة الماء المستعمل ، وعرّفوه بأنّه : ما أزيل به حدث أو استعمل في البدن على وجه القربة ، ولا يجوز استعماله في طهارة الأحداث ، بخلاف الخبث ، ويصير مستعملاً عندهم بمجرّد انفصاله عن الجسد ولو لم يستقرّ بمحلّ .
وعند جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - هو : الماء المغيّر طعمه أو لونه أو ريحه بما خالطه من الأعيان الطّاهرة تغيّراً يمنع إطلاق اسم الماء عليه ، وهو كذلك عند الشّافعيّة : الماء المستعمل في فرض الطّهارة ونفلها على الجديد .
وصرّح جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - بأنّ هذا النّوع لا يرفع حكم الخبث أيضاً ، وعند الحنفيّة يرفع حكم الخبث .
د - ماء نجس ، وهو : الماء الّذي وقعت فيه نجاسة وكان قليلاً ، أو كان كثيراً وغيّرته ، وهذا لا يرفع الحدث ولا النّجس بالاتّفاق .
هـ - ماء مشكوك في طهوريّته ، وانفرد بهذا القسم الحنفيّة ، وهو عندهم : ما شرب منه بغل أو حمار .
و - ماء محرّم لا تصحّ الطّهارة به ، وانفرد به الحنابلة ، وهو عندهم : ماء آبار ديار ثمود - غير بئر النّاقة - والماء المغصوب ، وماء ثمنه المعيّن حرام .
وتفصيل ذلك في مصطلح : ( مياه ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابوسلمى
مبدع جديد
مبدع جديد



ذكر
عدد المساهمات : 36
العمر : 62
الموقع : مصر
العمل/الترفيه : مدرس
نقاط : 4642
تاريخ التسجيل : 19/10/2011

موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد)   موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 19, 2011 8:01 pm

تطهير محلّ النّجاسة : 11 - اختلف الفقهاء في ما يحصل به طهارة محلّ النّجاسة : فذهب الحنفيّة إلى التّفريق بين النّجاسة المرئيّة وغير المرئيّة . فإذا كانت النّجاسة مرئيّةً فإنّه يطهر المحلّ المتنجّس بها بزوال عينها ولو بغسلة واحدة على الصّحيح ولو كانت النّجاسة غليظةً ، ولا يشترط تكرار الغسل ، لأنّ النّجاسة فيه باعتبار عينها ، فتزول بزوالها . وعن أبي جعفر : أنّه يغسل مرّتين بعد زوال العين ، وعن فخر الإسلام : ثلاثاً بعده ، ويشترط زوال الطّعم في النّجاسة ، لأنّ بقاءه يدلّ على بقاء العين ، ولا يضرّ بقاء لون النّجاسة الّذي يشقّ زواله ، وكذا الرّيح وإن لم يشقّ زواله . وهذا الحكم فيما إذا صبّ الماء على النّجاسة ، أو غسلها في الماء الجاري . أمّا لو غسلها في إجّانة فيطهر بالثّلاث إذا عصر في كلّ مرّة . وإذا كانت النّجاسة غير مرئيّة فإنّه يطهر المحلّ بغسلها ثلاثاً وجوباً ، والعصر كلّ مرّة في ظاهر الرّواية ، تقديراً لغلبة الظّنّ في استخراجها . قال الطّحاويّ : ويبالغ في المرّة الثّالثة حتّى ينقطع التّقاطر ، والمعتبر قوّة كلّ عاصر دون غيره ، فلو كان بحيث لو عصر غيره قطّر طهر بالنّسبة إليه دون ذلك الغير ، ولو لم يصرف قوّته لرقّة الثّوب قيل : يطهر للضّرورة . وهو الأظهر ، وقيل : لا يطهر وهو اختيار قاضي خان . وفي رواية : يكتفى بالعصر مرّةً . ثمّ إنّ اشتراط الغسل والعصر ثلاثاً إنّما هو إذا غمسه في إجّانة ، أمّا إذا غمسه في ماء جار حتّى جرى عليه الماء أو صبّ عليه ماء كثير ، بحيث يخرج ما أصابه من الماء ويخلف غيره ثلاثاً ، فقد طهر مطلقاً بلا اشتراط عصر وتكرار غمس . ويقصد بالنّجاسة المرئيّة عندهم : ما يرى بعد الجفاف ، وغير المرئيّة : ما لا يرى بعده . وذهب المالكيّة إلى أنّه يطهر محلّ النّجاسة بغسله من غير تحديد عدد ، بشرط زوال طعم النّجاسة ولو عسر ، لأنّ بقاء الطّعم دليل على تمكّن النّجاسة من المحلّ فيشترط زواله ، وكذلك يشترط زوال اللّون والرّيح إن تيسّر ذلك ، بخلاف ما إذا تعسّر . وذهب الشّافعيّة إلى التّفريق بين أن تكون النّجاسة عيناً أو ليست بعين . فإن كانت النّجاسة عيناً فإنّه يجب إزالة الطّعم ، ومحاولة إزالة اللّون والرّيح ، فإن عسر زوال الطّعم ، بأن لم يزل بحتّ أو قرص ثلاث مرّات عفي عنه ما دام العسر ، ويجب إزالته إذا قدر ، ولا يضرّ بقاء لون أو ريح عسر زواله فيعفى عنه ، فإن بقيا معاً ضرّ على الصّحيح ، لقوّة دلالتهما على بقاء عين النّجاسة . وإن لم تكن النّجاسة عيناً - وهي ما لا يدرك لها عين ولا وصف ، سواء أكان عدم الإدراك لخفاء أثرها بالجفاف ، كبول جفّ فذهبت عينه ولا أثر له ولا ريح ، فذهب وصفه ، أم لا ، لكون المحلّ صقيلاً لا تثبت عليه النّجاسة كالمرآة والسّيف - فإنّه يكفي جري الماء عليه مرّةً ، وإن لم يكن بفعل فاعل كمطر . وذهب الحنابلة إلى أنّه تطهر المتنجّسات بسبع غسلات منقّية ، لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : أمرنا أن نغسل الأنجاس سبعاً . وقد أمر به في نجاسة الكلب ، فيلحق به سائر النّجاسات ، لأنّها في معناها ، والحكم لا يختصّ بمورد النّصّ ، بدليل إلحاق البدن والثّوب به . قال البهوتيّ : فعلى هذا يغسل محلّ الاستنجاء سبعاً كغيره ، صرّح به القاضي والشّيرازيّ وابن عقيل ، ونصّ عليه أحمد في رواية صالح ، لكن نصّ في رواية أبي داود ، واختاره في المغني : أنّه لا يجب فيه عدد ، اعتماداً على أنّه لم يصحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء ، لا في قوله ولا فعله . ويضرّ عندهم بقاء الطّعم ، لدلالته على بقاء العين ولسهولة إزالته ويضرّ كذلك بقاء اللّون أو الرّيح أو هما معاً إن تيسّر إزالتهما ، فإن عسر ذلك لم يضرّ . وهذا في غير نجاسة الكلب والخنزير ، أمّا نجاستهما فللفقهاء فيها تفصيل آخر سيأتي بيانه . تطهير ما تصيبه الغسالة قبل طهارة المغسول : 12 - الغسالة المتغيّرة بأحد أوصاف النّجاسة نجسة ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » إنّ الماء لا ينجّسه شيء إلاّ ما غلب على ريحه ولونه وطعمه « . قال الخرشيّ من المالكيّة : سواء كان تغيّرها بالطّعم أو اللّون والرّيح ولو المتعسّرين ، ومن ثمّ ينجس المحلّ الّذي تصيبه الغسالة المتغيّرة ، ويكون تطهيره كتطهير أيّ محلّ متنجّس عند الجمهور . لكنّ الحنابلة القائلين بأنّه لا يطهر المحلّ المتنجّس إلاّ بغسله سبعاً ، فيغسل عندهم ما نجس ببعض الغسلات بعدد ما بقي بعد تلك الغسلة ، فلو تنجّس بالغسلة الرّابعة مثلاً غسل ثلاث غسلات لأنّها نجاسة تطهر في محلّها بما بقي من الغسلات ، فطهرت به في مثله . وصرّح المالكيّة بأنّ الغسالة غير المتغيّرة طاهرة ، قال الدّردير : لو غسلت قطرة بول مثلاً في جسد أو ثوب وسالت غير متغيّرة في سائره ولم تنفصل عنه كان طاهراً . وعند الشّافعيّة : الغسالة غير المتغيّرة إن كانت قلّتين فطاهرة ، وإن كانت دونهما فثلاثة أقوال عند الشّافعيّة ، أظهرها : أنّ حكمها حكم المحلّ بعد الغسل ، إن كان نجساً بعد فنجسة، وإلاّ فطاهرة غير مطهّرة ، وهو مذهب الشّافعيّ الجديد . وعند الحنابلة : إن غسلت بالطّهور نجاسة فانفصل متغيّراً بها ، أو انفصل غير متغيّر قبل زوال النّجاسة ، كالمنفصل من الغسلة السّادسة فما دونها وهو يسير فنجس ، لأنّه ملاق لنجاسة لم يطهّرها . وإن انفصل القليل غير متغيّر بعد زوال النّجاسة ، كالمنفصل عن محلّ طهر أرضاً كان المحلّ أو غيرها ، فطهور إن كان قلّتين فأكثر ، وإن كان دون قلّتين فطاهر . تطهير الآبار : 13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر ، فإنّ تطهيره يكون بالتّكثير إلى أن يزول التّغيّر ، ويكون التّكثير بالتّرك حتّى يزيد الماء ويصل إلى حدّ الكثرة ، أو بصبّ ماء طاهر فيه حتّى يصل هذا الحدّ . كما ذهب المالكيّة والحنابلة إلى اعتبار النّزح طريقاً للتّطهير أيضاً . وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر فإنّ تطهيره يكون بالنّزح فقط . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( آبار ف 21 وما بعدها ) . الوضوء والاغتسال في موضع نجس : 14 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الوضوء والاغتسال في موضع نجس مكروه خشية أن يتنجّس به المتوضّئ أو المغتسل ، وتوقّي ذلك كلّه أولى ، ولأنّه يورث الوسوسة ففي الحديث : » لا يبولن أحدكم في مستحمّه ، ثمّ يغتسل أو يتوضّأ فيه ، فإنّ عامّة الوسواس منه « . تطهير الجامدات والمائعات : 15 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا وقعت النّجاسة في جامد ، كالسّمن الجامد ونحوه ، فإنّ تطهيره يكون برفع النّجاسة وتقوير ما حولها وطرحه ، ويكون الباقي طاهراً ، لما روت ميمونة رضي الله تعالى عنها : » أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال : ألقوها ، وما حولها فاطرحوه ، وكلوا سمنكم « . وإذا وقعت النّجاسة في مائع فإنّه ينجّس ، ولا يطهر عند جمهور الفقهاء ، ويراق ، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السّمن فقال : » إن كان جامداً فألقوها وما حولها ، وإن كان مائعاً فلا تقربوه « وفي رواية: » وإن كان مائعاً فأريقوه « . وذهب الحنفيّة إلى إمكان تطهيره بالغلي ، وذلك بأن يوضع في ماء ويغلي ، فيعلو الدّهن الماء ، فيرفع بشيء ، وهكذا ثلاث مرّات . قال ابن عابدين : وهذا عند أبي يوسف ، وهو أوسع وعليه الفتوى ، خلافاً لمحمّد . وقريب منه ما اختاره أبو الخطّاب من الحنابلة : أنّ ما يتأتّى تطهيره بالغلي - كالزّيت - يطهر به كالجامد ، وطريقة ذلك : جعله في ماء كثير يخاض فيه ، حتّى يصيب الماء جميع أجزائه ، ثمّ يترك حتّى يعلو على الماء ، فيؤخذ . وعند الحنابلة ، كما قاله ابن قدامة : لا يطهر غير الماء من المائعات بالتّطهير في قول القاضي وابن عقيل ، قال ابن عقيل : إلاّ الزّئبق ، فإنّه لقوّته وتماسكه يجري مجرى الجامد. واستدلّ ابن قدامة بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن السّمن إذا وقعت فيه الفأرة ، فقال : » إن كان مائعاً فلا تقربوه ، ولو كان إلى تطهيره طريق لم يأمر بإراقته « . تطهير المياه النّجسة : 16 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ تطهير المياه النّجسة يكون بصبّ الماء عليها ومكاثرتها حتّى يزول التّغيّر . ولو زال التّغيّر بنفسه ، أو بنزح بعضه ، فعند المالكيّة قولان ، قيل : إنّ الماء يعود طهوراً، وقيل : باستمرار نجاسته ، وهذا هو الأرجح . قال الدّسوقيّ : لأنّ النّجاسة لا تزال إلاّ بالماء المطلق ، وليس حاصلاً ، وحينئذ فيستمرّ بقاء النّجاسة . ومحلّ القولين في الماء الكثير الّذي زال تغيّره بنفسه أو بنزح بعضه ، أمّا القليل فإنّه باق على تنجّسه بلا خلاف . كما يطهر الماء النّجس عند المالكيّة لو زال تغيّره بإضافة طاهر ، وبإلقاء طين أو تراب إن زال أثرهما ، أي لم يوجد شيء من أوصافهما فيما ألقيا فيه ، أمّا إن وجد فلا يطهر ، لاحتمال بقاء النّجاسة مع بقاء أثرهما . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّ الماء إن بلغ قلّتين فإنّه لا ينجس إلاّ إذا غيّرته النّجاسة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث « . وقوله صلى الله عليه وسلم : » إنّ الماء لا ينجّسه شيء إلاّ ما غلب على ريحه وطعمه ولونه « وتطهيره حينئذ يكون بزوال التّغيّر ، سواء زال التّغيّر بنفسه : كأن زال بطول المكث ، أو بإضافة ماء إليه . قال القليوبيّ : وهذا في التّغيّر الحسّيّ ، وأمّا التّقديريّ : كما لو وقع في الماء نجس لا وصف له فيقدّر مخالفاً أشدّ ، كلون الحبر وطعم الخلّ وريح المسك ، فإن غيّره فنجس ، ويعتبر الوصف الموافق للواقع ، ويعرف زوال التّغيّر منه بزوال نظيره من ماء آخر ، أو بضمّ ماء إليه لو ضمّ للمتغيّر حسّاً لزال ، أو بقي زمناً ذكر أهل الخبرة أنّه يزول به الحسّيّ. ولا يطهر الماء إنّ زال التّغيّر بمسك أو زعفران أو خلّ ، للشّكّ في أنّ التّغيّر زال أو استتر، والظّاهر الاستتار ، مثل ذلك زوال التّغيّر بالتّراب والجصّ . ونصّ الحنابلة على أنّه إن نزح من الماء المتنجّس الكثير ، وبقي بعد المنزوح كثير غير متغيّر ، فإنّه يطهر لزوال علّة تنجّسه ، وهي التّغيّر . وكذا المنزوح الّذي زال مع نزحه التّغيّر طهور إن لم تكن عين النّجاسة فيه . وإن كان الماء دون القلّتين فإنّه ينجس بملاقاة النّجاسة وإن لم تغيّره ، وتطهيره يكون بإضافة الماء إليه حتّى يبلغ القلّتين ولا تغيّر به ولو كوثر بإيراد طهور فلم يبلغ القلّتين لم يطهر . والتّفصيل في مصطلح : ( مياه ) . تطهير الأواني المتّخذة من عظام الميتات : 17 - الآنية المتّخذة من عظم حيوان مأكول اللّحم مذكّىً يحلّ استعمالها . وأمّا الآنية المتّخذة من حيوان غير مأكول اللّحم ففيها خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح : ( آنية ج 1 ف 10 وما بعدها ) . تطهير ما كان أملس السّطح : 18 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أصابت النّجاسة شيئاً صقيلاً - كالسّيف والمرآة- فإنّه لا يطهر بالمسح ، ولا بدّ من غسله ، لعموم الأمر بغسل الأنجاس ، والمسح ليس غسلاً . قال البهوتيّ من الحنابلة : لو قطع بالسّيف المتنجّس ونحوه بعد مسحه وقبل غسله ما فيه بلل كبطّيخ ونحوه نجّسه ، لملاقاة البلل للنّجاسة ، فإن كان ما قطعه به رطباً لا بلل فيه كجبن ونحوه فلا بأس به ، كما لو قطع به يابساً لعدم تعدّي النّجاسة إليه . قال النّوويّ : لو سقيت سكّينٌ ماءً نجساً ، ثمّ غسلها طهر ظاهرها ، وهل يطهر باطنها بمجرّد الغسل أم لا يطهر حتّى يسقيها مرّةً ثانيةً بماء طهور ؟ وجهان : قطع القاضي حسين والمتولّي بأنّه يجب سقيها مرّةً ثانيةً واختار الشّاشيّ الاكتفاء بالغسل ، وهو المنصوص عن الشّافعيّ . وذهب الحنفيّة إلى أنّ ما كان أملس السّطح ، كالسّيف والمرآة ونحوهما ، إن أصابه نجس فإنّ تطهيره يكون بالمسح بحيث يزول أثر النّجاسة ، لأنّ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كانوا يقتلون الكفّار بسيوفهم ثمّ يمسحونها ويصلّون وهم يحملونها ، ولأنّه لا يتشرّب النّجاسة ، وما على ظاهره يزول بالمسح . قال الكمال : وعليه فلو كان على ظفره نجاسة فمسحها طهرت . فإن كان بالصّقيل صدأ يتشرّب معه النّجاسة ، أو كان ذا مسامّ تتشرّبها ، فإنّه لا يطهر إلاّ بالماء . وذهب المالكيّة إلى أنّ ما كان صلباً صقيلاً ، وكان يخشى فساده بالغسل كالسّيف ونحوه ، فإنّه يعفى عمّا أصابه من الدّم المباح ولو كان كثيراً ، خوفاً من إفساد الغسل له . قال الدّردير : وسواء مسحه من الدّم أم لا على المعتمد ، أي خلافاً لمن علّله بانتفاء النّجاسة بالمسح . قال الدّسوقيّ : فهذا التّعليل يقتضي أنّه لا يعفى عمّا أصاب السّيف ونحوه من الدّم المباح إلاّ إذا مسح ، وإلاّ فلا ، وعلى القول الأوّل : لا يعفى عمّا أصاب الظّفر والجسد من الدّم المباح لعدم فسادهما بالغسل ، وعلى القول الثّاني : يعفى عمّا أصابها منه إذا مسح . وقيّد المالكيّة العفو بأن يكون الدّم مباحاً ، أمّا الدّم العدوان فيجب الغسل منه . قال الدّسوقيّ : قال العدويّ : والمعتمد أنّ المراد بالمباح غير المحرّم ، فيدخل فيه دم مكروه الأكل إذا ذكّاه بالسّيف ، والمراد : المباح أصالةً ، فلا يضرّ حرمته لعارض كقتل مرتدّ به ، وقتل زان أحصن بغير إذن الإمام . كما قيّدوا العفو بأن يكون مصقولاً لا خربشة فيه ، وإلاّ فلا عفو . تطهير الثّوب والبدن من المنيّ : 19 - اختلف الفقهاء في نجاسة المنيّ ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى نجاسته ، وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه طاهر . واختلف الحنفيّة والمالكيّة في كيفيّة تطهيره : فذهب الحنفيّة إلى أنّ تطهير محلّ المنيّ يكون بغسله إن كان رطباً ، وفركه إن كان يابساً ، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : » كنت أفرك المنيّ من ثوب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً ، وأغسله إذا كان رطباً « . قال ابن الهمام : الظّاهر أنّ ذلك بعلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم خصوصاً إذا تكرّر منها مع التفاته صلى الله عليه وسلم إلى طهارة ثوبه وفحصه عن حاله . ولا فرق في طهارة محلّه بفركه يابساً وغسله طريّاً بين منيّ الرّجل ومنيّ المرأة ، قال ابن عابدين : ويؤيّده ما صحّ عن عائشة رضي الله تعالى عنها : » أنّها كانت تحتّ المنيّ من ثوب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي « ، ولا خفاء أنّه كان من جماع ، لأنّ الأنبياء لا تحتلم ، فيلزم اختلاط منيّ المرأة به ، فيدلّ على طهارة منيّها بالفرك بالأثر ، لا بالإلحاق . كما أنّه لا فرق في ذلك بين الثّوب والبدن على الظّاهر من المذهب . وذهب المالكيّة إلى أنّ تطهير محلّ المنيّ يكون بالغسل لا غير . والتّفصيل في مصطلح : ( منيّ ) . طهارة الأرض بالماء : 20 - إذا تنجّست الأرض بنجاسة مائعة - كالبول والخمر وغيرهما - فتطهيرها أن تغمر بالماء بحيث يذهب لون النّجاسة وريحها ، وما انفصل عنها غير متغيّر بها فهو طاهر . بهذا قال جمهور الفقهاء ، وذلك لما رواه أنس رضي الله عنه قال : » جاء أعرابيّ فبال في طائفة ناحية من المسجد ، فزجره النّاس فنهاهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلمّا قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه « وفي لفظ : » فدعاه فقال : إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، وإنّما هي لذكر اللّه عزّ وجلّ والصّلاة وقراءة القرآن وأمر رجلاً فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه « . وإنّما أمر بالذّنوب لأنّ ذلك يغمر البول ، ويستهلك فيه البول وإن أصاب الأرض ماء المطر أو السّيول فغمرها وجرى عليها فهو كما لو صبّ عليها ، لأنّ تطهير النّجاسة لا تعتبر فيه نيّة ولا فعل ، فاستوى ما صبّه الآدميّ وما جرى بغير صبّه . ولا تطهر الأرض حتّى يذهب لون النّجاسة ورائحتها ، ولأنّ بقاءهما دليل على بقاء النّجاسة، فإن كانت ممّا لا يزول لونها إلاّ بمشقّة سقط عنه إزالتها كالثّوب ، وكذا الحكم في الرّائحة . ويقول الحنفيّة : إذا أصابت النّجاسة أرضاً رخوةً فيصبّ عليها الماء فتطهر ، لأنّها تنشّف الماء ، فيطهر وجه الأرض ، وإن كانت صلبةً يصبّ الماء عليها ، ثمّ تكبس الحفيرة الّتي اجتمع فيها الغسالة . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( أرض ف 3 ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابوسلمى
مبدع جديد
مبدع جديد



ذكر
عدد المساهمات : 36
العمر : 62
الموقع : مصر
العمل/الترفيه : مدرس
نقاط : 4642
تاريخ التسجيل : 19/10/2011

موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد)   موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 19, 2011 8:03 pm

ما تطهر به الأرض سوى المياه :

21 - ذهب الحنفيّة عدا زفر إلى أنّ الأرض إذا أصابها نجس ، فجفّت بالشّمس أو الهواء أو غيرهما وذهب أثره طهرت وجازت الصّلاة عليها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : » أيّما أرض جفّت فقد ذكت « .

وذهب المالكيّة والحنابلة ، والشّافعيّة في الأصحّ عندهم ، وزفر من الحنفيّة إلى أنّها لا تطهر بغير الماء ، لأمره صلى الله عليه وسلم أن يصبّ على بول الأعرابيّ ذنوب ماء ، وقوله صلى الله عليه وسلم : » أهريقوا على بوله ذنوباً من ماء ، أو سجلاً من ماء « والأمر يقتضي الوجوب ، ولأنّه محلّ نجس فلم يطهر بغير الغسل .
طهارة النّجاسة بالاستحالة :

22 - اتّفق الفقهاء على طهارة الخمر بالاستحالة ، فإذا انقلبت الخمر خلاً صارت طاهرةً . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( تحليل ف 13 ، 14 ) .

واختلف الفقهاء فيما عدا الخمر من نجس العين هل يطهر بالاستحالة أم لا ؟

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يطهر نجس العين بالاستحالة ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » نهى عن أكل الجلالة وألبانها « لأكلها النّجاسة ، ولو طهرت بالاستحالة لم ينه عنه .

قال الرّمليّ : ولا يطهر نجس العين بالغسل مطلقاً ، ولا بالاستحالة ، كميتة وقعت في ملاحة فصارت ملحاً ، أو أحرقت فصارت رماداً .

وقال البهوتيّ من الحنابلة : ولا تطهر نجاسة بنار ، فالرّماد من الرّوث النّجس نجس وصابون عمل من زيت نجس نجس ، وكذا لو وقع كلب في ملاحة فصار ملحاً ، أو في صبّانة فصار صابوناً .

لكن نصّ الحنابلة على أنّه إذا تحوّلت العلقة إلى مضغة ، فإنّها تصير طاهرةً بعد أن كانت نجسةً ، وذلك لأنّ نجاستها بصيرورتها علقةً ، فإذا زال ذلك عادت إلى أصلها ، كالماء الكثير المتغيّر بالنّجاسة .

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ نجس العين يطهر بالاستحالة ، لأنّ الشّرع رتّب وصف النّجاسة على تلك الحقيقة ، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها ، فكيف بالكلّ ؟ . ونظيره في الشّرع النّطفة نجسة ، وتصير علقةً وهي نجسة ، وتصير مضغةً فتطهر ، والعصير طاهر فيصير خمراً فينجس ، ويصير خلاً فيطهر ، فعرفنا أنّ استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتّب عليها .

ونصّ الحنفيّة على أنّ ما استحالت به النّجاسة بالنّار ، أو زال أثرها بها يطهر .

كما تطهر النّجاسة عندهم بانقلاب العين ، وهو قول محمّد وأبي حنيفة ، وعليه الفتوى ، واختاره أكثر المشايخ ، خلافاً لأبي يوسف .

ومن تفريعات ذلك ما نقله ابن عابدين عن المجتبى أنّه إن جعل الدّهن النّجس في صابون يفتى بطهارته ، لأنّه تغيّر ، والتّغيّر يطهّر عند محمّد ، ويفتى به للبلوى ، وعليه يتفرّع ما لو وقع إنسان أو كلب في قدر الصّابون فصار صابوناً يكون طاهراً لتبدّل الحقيقة .

قال ابن عابدين : العلّة عند محمّد هي التّغيّر وانقلاب الحقيقة ، وإنّه يفتى به للبلوى ، ومقتضاه : عدم اختصاص ذلك الحكم بالصّابون ، فيدخل فيه كلّ ما كان فيه تغيّر وانقلاب حقيقةً ، وكان فيه بلوى عامّة .

كما نصّ المالكيّة على أنّ الخمر إذا تحجّرت فإنّها تطهر ، لزوال الإسكار منها ، وأنّ رماد النّجس طاهر ، لأنّ النّار تطهر .

قال الدّسوقيّ : سواء أكلت النّار النّجاسة أكلاً قويّاً أو لا ، فالخبز المخبوز بالرّوث النّجس طاهر ولو تعلّق به شيء من الرّماد ، وتصحّ الصّلاة قبل غسل الفم من أكله ، ويجوز حمله في الصّلاة .
ما يطهر من الجلود بالدّباغة :

23 - اتّفق الفقهاء على نجاسة جلود ميتة الحيوانات قبل الدّباغ ، واختلفوا في طهارة جلود الميتة بالدّباغة على تفصيل في مصطلح : ( دباغة ج 20 ف 8 وما بعدها ) .
تطهير الخفّ من النّجاسة :

24 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أصابت أسفل الخفّ أو النّعل نجاسة فإنّ تطهيره يكون بغسله ، ولا يجزئ لو دلكه كالثّوب والبدن ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون النّجاسة رطبةً أو جافّةً ، وعند الشّافعيّة قولان في العفو عن النّجاسة الجافّة إذا دلكت ، أصحّهما : القول الجديد للشّافعيّ ، وهو أنّه لا يجوز حتّى يغسله ، ولا تصحّ الصّلاة به ، والثّاني : يجوز لما روى أبو سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : » إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر ، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذىً فليمسحه ، وليصلّ فيهما «

قال الرّافعيّ : إذا قلنا بالقديم وهو العفو فله شروط :

أحدها : أن يكون للنّجاسة جرم يلتصق بالخفّ ، أمّا البول ونحوه فلا يكفي دلكه بحال . الثّاني : أن يدلكه في حال الجفاف ، وأمّا ما دام رطباً فلا يكفي دلكه قطعاً .

الثّالث : أن يكون حصول النّجاسة بالمشي من غير تعمّد ، فلو تعمّد تلطيخ الخفّ بها وجب الغسل قطعاً .

ونقل البهوتيّ عن الإنصاف أنّ يسير النّجاسة إذا كانت على أسفل الخفّ والحذاء بعد الدّلك يعفى عنه على القول بنجاسته .

وذهب أبو حنيفة إلى أنّه إذا أصاب الخفّ نجاسة لها جرم ، كالرّوث والعذرة ، فجفّت ، فدلكه بالأرض جاز ، والرّطب وما لا جرم له كالخمر والبول لا يجوز فيه إلاّ الغسل ، وقال أبو يوسف : يجزئ المسح فيهما إلاّ البول والخمر ، وقال محمّد : لا يجوز فيهما إلاّ الغسل كالثّوب .

ولأبي يوسف إطلاق قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » إذا أصاب خفّ أحدكم أو نعله أذىً فليدلكهما في الأرض ، وليصلّ فيهما ، فإنّ ذلك طهور لهما « من غير فصل بين الرّطب واليابس ، والمتجسّد وغيره ، وللضّرورة العامّة .

ولأبي حنيفة هذا الحديث . إلاّ أنّ الرّطب إذا مسح بالأرض يتلطّخ به الخفّ أكثر ممّا كان ، فلا يطهّره بخلاف اليابس ، لأنّ الخفّ لا يتداخله إلاّ شيء يسير وهو معفوّ عنه ، ولا كذلك البول والخمر لأنّه ليس فيه ما يجتذب مثل ما على الخفّ ، فيبقى على حاله ، حتّى لو لصق عليه طين رطب فجفّ ، ثمّ دلكه جاز ، كالّذي له جرم ، وبخلاف الثّوب لأنّه متخلّل فتتداخله أجزاء النّجاسة ، فلا تزول بالمسح ، فيجب الغسل .

ولمحمّد القياس على الثّوب والبساط ، بجامع أنّ النّجاسة تداخلت في الخفّ تداخلها فيهما . قال الكمال : وعلى قول أبي يوسف أكثر المشايخ ، وهو المختار لعموم البلوى .

وقال السّرخسيّ عن قول أبي يوسف : وهو صحيح ، وعليه الفتوى للضّرورة .

وفرّق المالكيّة بين أرواث الدّوابّ وأبوالها وبين غيرها من النّجاسات ، فإذا أصاب الخفّ شيء من روث الدّوابّ وأبوالها فإنّه يعفى عنه إن دلك بتراب أو حجر أو نحوه حتّى زالت العين ، وكذا إن جفّت النّجاسة بحيث لم يبق شيء يخرجه الغسل سوى الحكم .

وقيّد بعضهم العفو بأن تكون إصابة الخفّ أو النّعل بالنّجاسة بموضع يطرقه الدّوابّ كثيراً - كالطّرق - لمشقّة الاحتراز عنه .

قال الدّسوقيّ نقلاً عن البنانيّ : وهذا القيد نقله في التّوضيح ، والظّاهر اعتباره ، وفي كلام ابن الحاجب إشارة إليه لتعليله بالمشقّة ، كما ذكر خليل أنّ العفو إنّما هو لعسر الاحتراز ، وعلى هذا فلا يعفى عمّا أصاب الخفّ والنّعل من أرواث الدّوابّ بموضع لا تطرقه الدّوابّ كثيراً ولو دلكاً .

وإن أصاب الخفّ أو النّعل شيء من النّجاسات غير أرواث الدّوابّ وأبوالها ، كخرء الكلاب أو فضلة الآدميّ أو دم ، فإنّه لا يعفى عنه ، ولا بدّ من غسله .

قال الحطّاب نقلاً عن ابن العربيّ : والعلّة ندور ذلك في الطّرقات ، فإن كثر ذلك فيها صار كروث الدّوابّ .
تطهير ما تصيبه النّجاسة من ملابس النّساء في الطّرق :

25 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا تنجّس ذيل ثوب المرأة فإنّه يجب غسله كالبدن ، ولا يطهّره ما بعده من الأرض .

وذهب المالكيّة إلى أنّه يعفى عمّا يصيب ذيل ثوب المرأة اليابس من النّجاسة إذا مرّت بعد الإصابة على موضع طاهر يابس ، سواء كان أرضاً أو غيره .
وقيّدوا هذا العفو بعدّة قيود هي :

أ - أن يكون الذّيل يابساً وقد أطالته للسّتر ، لا للزّينة والخيلاء .

قال الدّسوقيّ : من المعلوم أنّه لا تطيله للسّتر إلاّ إذا كانت غير لابسة لخفّ أو جورب ، فعلى هذا لو كانت لابسةً لهما فلا عفو ، كان ذلك من زيّها أم لا .

ب - وأن تكون النّجاسة الّتي أصابت ذيل الثّوب مخفّفة جافّة ، فإن كانت رطبةً فإنّه يجب الغسل ، إلاّ أن يكون معفوّاً عنه كالطّين .

ج - وأن يكون الموضع الّذي تمرّ عليه بعد الإصابة طاهراً يابساً .
التّطهير من بول الغلام وبول الجارية :

26 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ التّطهير من بول الغلام وبول الجارية الصّغيرين أكلا أو لا ، يكون بغسله لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » استنزهوا من البول « .

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجزئ في التّطهير من بول الغلام الّذي لم يطعم الطّعام النّضح ، ويكون برشّ الماء على المكان المصاب وغمره به بلا سيلان ، فقد روت أمّ قيس بنت محصن رضي الله عنها : » أنّها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطّعام إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حجره ، فبال على ثوبه ، فدعا بماء فنضحه ، ولم يغسله « .

أمّا بول الجارية الصّغيرة فلا يجزئ في تطهيره النّضح ، ولا بدّ فيه من الغسل ، لخبر التّرمذيّ : » ينضح بول الغلام ، ويغسل بول الجارية « ، وفرّق بينهما : بأنّ الائتلاف بحمل الصّبيّ يكثر ، فيخفّف في بوله ، وبأنّ بوله أرقّ من بولها ، فلا يلصق بالمحلّ كلصق بولها به .

قال أحمد : الصّبيّ إذا طعم الطّعام وأراده واشتهاه غسل بوله ، وليس إذا طعم ، لأنّه قد يلعق العسل ، وما يطعمه لغذائه وهو يريده ويشتهيه يوجب الغسل .

( ر : أنوثة ف 16 ) .
تطهير أواني الخمر :

27 - الأصل في تطهير أواني الخمر هو غسلها ، بهذا قال الحنفيّة والمالكيّة في الصّحيح عندهم والشّافعيّة والشّيخ أبو الفرج المقدسيّ الحنبليّ فيما كان مزفّتاً من الآنية .

وفي هذا يقول الحنفيّة : تطهر بغسلها ثلاثاً بحيث لا تبقى فيها رائحة الخمر ولا أثرها ، فإن بقيت رائحتها لا يجوز أن يجعل فيها من المائعات سوى الخلّ ، لأنّه بجعله فيها تطهر وإن لم تغسل ، لأنّ ما فيها من الخمر يتخلّل بالخلّ .

وفي الخلاصة : الكوز إذا كان فيه خمر تطهيره أن يجعل فيه الماء ثلاث مرّات ، كلّ مرّة ساعةً ، وإن كان جديداً عند أبي يوسف يطهر ، وعند محمّد لا يطهر أبداً .

ويقول الشّافعيّة : تطهر بغسلها مرّةً واحدةً إذا زال أثر النّجاسة ، ويندب غسلها ثلاث مرّات، لما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : » إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتّى يغسلها ثلاثاً ، فإنّه لا يدري أين باتت يده « .

فندب إلى الثّلاث للشّكّ في النّجاسة ، فدلّ على أنّ ذلك يستحبّ إذا تيقّن ويجوز الاقتصار على الغسل مرّةً واحدةً .

والغسل الواجب في ذلك : أن يكاثر بالماء حتّى تستهلك النّجاسة .

وعند المالكيّة ، كما جاء في القوانين الفقهيّة : في طهارة الفخّار من نجس غوّاص كالخمر قولان ، قال الموّاق نقلاً عن النّوادر في أواني الخمر : تغسل وينتفع بها ، ولا تضرّها الرّائحة . وتطهر أوانيه إذا تحجّرت الخمر فيها أو خلّلت ، ويطهر إناؤها تبعاً لها ولو فخّاراً بغوّاص .

ويقول الحنابلة : إذا كان في الإناء خمر يتشرّبها الإناء ، ثمّ متى جعل فيه مائع ، سواء ظهر فيه طعم الخمر أو لونه ، لم يطهر بالغسل ، لأنّ الغسل لا يستأصل أجزاءه من جسم الإناء ، فلم يطهّره كالسّمسم إذا ابتلّ بالنّجاسة ، قال أبو الفرج المقدسيّ : آنية الخمر منها المزفّت ، فتطهر بالغسل ، لأنّ الزّفت يمنع وصول النّجاسة إلى جسم الإناء ، ومنها ما ليس بمزفّت ، فيتشرّب أجزاء النّجاسة ، فلا يطهر بالتّطهير ، فإنّه متى ترك فيه مائع ظهر فيه طعم الخمر ولونه .
تطهير آنية الكفّار وملابسهم :

28 - يقول الحنفيّة في آنية الكفّار : إنّها طاهرة لأنّ سؤرهم طاهر ، لأنّ المختلط به اللّعاب، وقد تولّد من لحم طاهر ، فيكون طاهراً ، فقد روي : » أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد وكانوا مشركين « .

ولو كان عين المشرك نجساً لما فعل ذلك : ولا يعارض بقوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } لأنّ المراد به النّجس في العقيدة ، فمتى تنجّست أوانيهم فإنّه يجري عليها ما يجري على ما تنجّس من أواني المسلمين من غسل وغيره ، إذ لهم ما لنا وعليهم ما علينا وثيابهم طاهرة ، ولا يكره منها إلاّ السّراويل المتّصلة بأبدانهم لاستحلالهم الخمر ، ولا يتّقونها كما لا يتوقّون النّجاسة والتّنزّه عنها ، فلو أمن ذلك بالنّسبة لها وكان التّأكّد من طهارتها قائماً ، فإنّه يباح لبسها ، وإذا تنجّست جرى عليها ما يجري على تطهير ملابس المسلمين عندما تصيبها نجاسة ، سواء بالغسل أو غيره .

وكره الشّافعيّة استعمال أوانيهم وثيابهم لما روى أبو ثعلبة الخشنيّ رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول اللّه إنّا بأرض أهل الكتاب ، ونأكل في آنيتهم فقال : » لا تأكلوا في آنيتهم إلاّ أن لا تجدوا بدّاً ، فإن لم تجدوا بدّاً فاغسلوها وكلوا فيها « . ولأنّهم لا يتجنّبون النّجاسة فكره لذلك .

فإن توضّأ من أوانيهم نظرت : فإن كانوا ممّن لا يتديّنون باستعمال النّجاسة صحّ الوضوء ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم توضّأ من مزادة مشركة .

وتوضّأ عمر رضي الله عنه من جرّة نصرانيّ ، ولأنّ الأصل في أوانيهم الطّهارة .

وإن كانوا ممّن يتديّنون باستعمال النّجاسة ففيه وجهان :

أحدهما : أنّه يصحّ الوضوء لأنّ الأصل في أوانيهم الطّهارة ، والثّاني : لا يصحّ لأنّهم يتديّنون باستعمال النّجاسة كما يتديّن المسلمون بالماء الطّاهر ، فالظّاهر من أوانيهم وثيابهم النّجاسة .

وأجاز المالكيّة استعمال أوانيهم إلاّ إذا تيقّن عدم طهارتها ، وصرّح القرافيّ في الفروق بأنّ جميع ما يصنعه أهل الكتاب والمسلمون الّذين لا يصلّون ولا يستنجون ولا يتحرّزون من النّجاسات من الأطعمة وغيرها محمول على الطّهارة ، وإن كان الغالب عليه النّجاسة ، فإذا تنجّست أوانيهم فإنّها تطهر بزوال تلك النّجاسة بالغسل بالماء أو بغيره ممّا له صفة الطّهوريّة .

وكذلك الحال بالنّسبة لملابسهم ، فإنّ الأصل فيها الطّهارة ما لم يصبها النّجس ، ولذا لا يصلّى في ملابسهم أي ما يلبسونه ، لأنّ الغالب نجاستها ، فحمل عليها عند الشّكّ ، أمّا إن علمت أو ظنّت طهارتها فإنّه يجوز أن يصلّى فيها .

ويقول الحنابلة في ثيابهم وأوانيهم : إنّها طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها ، وأضافوا : إنّ الكفّار على ضربين - أهل الكتاب وغيرهم - فأمّا أهل الكتاب فيباح أكل طعامهم وشرابهم واستعمال آنيتهم ما لم تعلم نجاستها ، قال ابن عقيل : لا تختلف الرّواية في أنّه لا يحرم استعمال أوانيهم ، لقول اللّه تبارك وتعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } .

وعن عبد اللّه بن مغفّل رضي الله عنه قال : » أصبت جراباً من شحم يوم خيبر ، قال فالتزمته ، فقلت : واللّه لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً . قال : فالتفتّ فإذا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم متبسّماً « . وروي : » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أضافه يهوديّ بخبز وإهالة سنخة « ، وتوضّأ عمر من جرّة نصرانيّة .

وأمّا غير أهل الكتاب - وهم المجوس وعبدة الأوثان ونحوهم - ومن يأكل لحم الخنزير من أهل الكتاب في موضع يمكنهم أكله ، أو يأكل الميتة ، أو يذبح بالسّنّ والظّفر فحكم ثيابهم حكم ثياب أهل الذّمّة عملاً بالأصل ، وأمّا أوانيهم فقال أبو الخطّاب : حكمها حكم أواني أهل الكتاب ، يباح استعمالها ما لم يتحقّق نجاستها ، » لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضّئوا من مزادة مشركة « .

ولأنّ الأصل الطّهارة ، فلا تزول بالشّكّ .

وقال القاضي : هي نجسة ، لا يستعمل ما استعملوه منها إلاّ بعد غسله ، لحديث أبي ثعلبة المتقدّم ، ولأنّ أوانيهم لا تخلو من أطعمتهم ، وذبائحهم ميتة ، فتتنجّس بها وهذا ظاهر كلام أحمد ، فإنّه قال في المجوس : لا يؤكل من طعامهم إلاّ الفاكهة ، لأنّ الظّاهر نجاسة آنيتهم المستعملة في أطعمتهم ، ومتى شكّ في الإناء هل استعملوه أم لا ؟ فهو طاهر ، لأنّ الأصل طهارته .
تطهير المصبوغ بنجس :

29 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المصبوغ بنجس يطهر بغسله ، إلاّ أنّ الحنفيّة يقولون : يغسل حتّى يصير الماء صافياً ، وقيل : يغسل بعد ذلك ثلاث مرّات .

ويقول المالكيّة : يطهر بغسله حتّى يزول طعم النّجس ، ومتى زال طعمه فقد طهر ولو بقي شيء من لونه وريحه

ويقول الشّافعيّة : يغسل حتّى ينفصل النّجس منه ولم يزد المصبوغ وزناً بعد الغسل على وزنه قبل الصّبغ ، وإن بقي اللّون لعسر زواله ، فإن زاد وزنه ضرّ ، فإن لم ينفصل عنه لتعقّده به لم يطهر ، لبقاء النّجاسة فيه .

ويقول الحنابلة : يطهر بغسله وإن بقي اللّون لقوله عليه الصلاة والسلام في الدّم : » ولا يضرّك أثره « .
رماد النّجس المحترق بالنّار :

30 - المعتمد عند المالكيّة والمختار للفتوى ، وهو قول محمّد بن الحسن من الحنفيّة وبه يفتى ، والحنابلة في غير الظّاهر : أنّ رماد النّجس المحترق بالنّار طاهر ، فيطهر بالنّار الوقود المتنجّس والسّرقين والعذرة تحترق فتصير رماداً تطهر ، ويطهر ما تخلّف عنها . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( رماد ج 23 ، ف 3 ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابوسلمى
مبدع جديد
مبدع جديد



ذكر
عدد المساهمات : 36
العمر : 62
الموقع : مصر
العمل/الترفيه : مدرس
نقاط : 4642
تاريخ التسجيل : 19/10/2011

موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد)   موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 19, 2011 8:07 pm


تطهير ما يتشرّب النّجاسة :

31 - اختلف الفقهاء في اللّحم الّذي طبخ بنجس ، هل يطهر أم لا ؟

فذهب الحنفيّة – عدا أبي يوسف – والحنابلة إلى أنّ اللّحم الّذي طبخ بنجس لا يمكن تطهيره، قال ابن عابدين نقلاً عن الخانيّة : إذا صبّ الطّبّاخ في القدر مكان الخلّ خمراً غلطاً، فالكلّ نجس لا يطهر أبداً ، وما روي عن أبي يوسف أنّه يغلى ثلاثاً لا يؤخذ به . وذهب المالكيّة إلى أنّ اللّحم الّذي طبخ بنجس من ماء ، أو وقعت فيه نجاسة حال طبخه قبل نضجه ، فإنّه لا يقبل التّطهير ، أمّا إن وقعت فيه نجاسة بعد نضجه فإنّه يقبل التّطهير ، وذلك بأن يغسل ما تعلّق به من المرق .

وقيّد الدّسوقيّ ذلك بما إذا لم تطل إقامة النّجاسة فيه ، بحيث يظنّ أنّها سرت فيه ، وإلاّ فلا يقبل التّطهير .

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ اللّحم الّذي طبخ بنجس يمكن تطهيره ، وفي كيفيّة طهارته وجهان : أحدهما : يغسل ثمّ يعصر كالبساط ، الثّاني : يشترط أن يغلي بماء طهور .

وقطع القاضي حسين والمتولّي بوجوب السّقي مرّةً ثانيةً والغلي ، واختار الشّاشيّ الاكتفاء بالغسل .

واختلف الفقهاء أيضاً في الفخّار الّذي يتشرّب النّجاسة ، هل يطهر أم لا ؟

فذهب المالكيّة والحنابلة ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّ الفخّار الّذي يتشرّب النّجاسة لا يطهر . ونقل الدّسوقيّ عن البنانيّ أنّ الفخّار البالي إذا حلّت فيه نجاسة غوّاصة يقبل التّطهير ، والّذي لا يقبل التّطهير هو الفخّار الّذي لم يستعمل قبل حلول الغوّاص فيه ، أو استعمل قليلاً، قال الدّسوقيّ : وهو أولى .

وصرّح المالكيّة بأنّ مثل الفخّار أواني الخشب الّذي يمكن سريان النّجاسة إلى داخله . وذهب أبو يوسف إلى أنّه يمكن تطهير الخزف الّذي يتشرّب النّجاسة ، وذلك بأن ينقع في الماء ثلاثاً ، ويجفّف كلّ مرّة .

قال ابن عابدين : قول محمّد أقيس ، وقول أبي يوسف أوسع .

ونصّ الحنابلة على أنّه لا يطهر باطن حبّ تشرّب النّجاسة .

وعند الحنفيّة : لو طبخت الحنطة في الخمر ، قال أبو يوسف : تطبخ ثلاثاً بالماء وتجفّف في كلّ مرّة ، وقال أبو حنيفة : إذا طبخت في الخمر لا تطهر أبداً ، وبه يفتى ، إلاّ إذا صبّ فيه الخلّ ، وترك حتّى صار الكلّ خلاً .

ونصّ المالكيّة على أنّ الزّيتون الّذي ملّح بنجس ، بأن جعل عليه ملح نجس يصلحه ، إمّا وحده أو مع ماء لا يقبل التّطهير ، أمّا لو طرأت عليه النّجاسة بعد تمليحه واستوائه ، فإنّه يقبل التّطهير ، وذلك بغسله بالماء المطلق .

قال الدّسوقيّ : ومثل ذلك يقال في الجبن واللّيمون والنّارنج والبصل والجزر الّذي يتخلّل ، ومحلّ عدم الضّرر إذا لم تمكث النّجاسة مدّةً يظنّ أنّها سرت فيه ، وإلاّ فلا يقبل التّطهير . كما نصّ المالكيّة على أنّ البيض الّذي سلق بنجس لا يقبل التّطهير .

قال الدّسوقيّ : ولا فرق بين أن يكون الماء المسلوق فيه متغيّراً بالنّجاسة أم لا .

وقال البنانيّ : الظّاهر - كما قاله بعضهم - أنّ الماء إذا حلّته نجاسة ولم تغيّره ، ثمّ سلق فيه البيض ، فإنّه لا ينجّسه ، حيث إنّ الماء حينئذ طهور ولو قلّ على المشهور .

أمّا لو طرأت على البيض المسلوق نجاسة بعد سلقه واستوائه فإنّه لا يتنجّس ، كما أنّه لو شوي البيض المتنجّس قشره فإنّه لا ينجس .

ونصّ الشّافعيّة على أنّ اللّبن المختلط بنجاسة جامدة - كالرّوث وعظام الميتة - نجس ، ولا طريق إلى تطهيره لعين النّجاسة .

قال النّوويّ : فإن طبخ فالمذهب - وهو الجديد - أنّه على نجاسته .

أمّا اللّبن غير المختلط بنجاسة جامدة ، بأن نجس بسبب عجنه بماء نجس أو بول ، فيطهر ظاهره بإفاضة الماء عليه ، ويطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتّى يصل الماء إلى جميع أجزائه .

ونصّ الحنابلة على أنّه لا يطهر عجين تنجّس ، لأنّه لا يمكن غسله .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابوسلمى
مبدع جديد
مبدع جديد



ذكر
عدد المساهمات : 36
العمر : 62
الموقع : مصر
العمل/الترفيه : مدرس
نقاط : 4642
تاريخ التسجيل : 19/10/2011

موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد)   موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 19, 2011 8:10 pm


طَوَاف *

التّعريف :

1 - الطّواف لغةً : الدّوران حول الشّيء ، يقال : طاف حول الكعبة وبها يطوف طوفاً وطوفاناً بفتحتين ، والمطاف : موضع الطّواف .

وتطوّف وطوّف : بمعنى طاف ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } أصله يتطوّف ، قلبت التّاء طاءً ثمّ أدغمت .

وفي الاصطلاح : الطّواف : هو الدّوران حول البيت الحرام .

الألفاظ ذات الصّلة :
السّعي :

2 - السّعي في اللّغة : المشي ، وأيضاً القصد إلى الشّيء ، والعدو ، والتّصرّف في الأعمال .

واصطلاحاً : المشي بين الصّفا والمروة .

وقد يطلق على السّعي الطّواف ، والتّطوّف ، كما سبق في الآية : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } .
أنواع الطّواف :

3 - يتنوّع الطّواف بحسب سبب مشروعيّته إلى سبعة أنواع ، وهي : طواف القدوم ، طواف الزّيارة ، طواف الوداع ، طواف العمرة ، طواف النّذر ، طواف تحيّة المسجد الحرام، طواف التّطوّع .

كذا عدّها الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .

وعدّها الشّافعيّة ستّةً : طواف القدوم ، طواف الرّكن ، طواف الوداع ، طواف ما يتحلّل به في الفوات ، طواف النّذر ، طواف التّطوّع .

وقولهم " طواف الرّكن " : يشمل طواف ركن الحجّ وركن العمرة ، وقولهم : " طواف التّطوّع " يشمل تحيّة المسجد ، أي المسجد الحرام ، لاعتبار أنّ تحيّة المسجد بالصّلاة تنوب عن الطّواف .

واختصّ مذهب الشّافعيّة بطواف ما يتحلّل به في الفوات ، فإنّه يدخل في العمرة عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، لأنّ من فاته الحجّ يتحلّل بعمرة عندهم ، ويتحلّل بطواف وسعي وحلق عند الشّافعيّة ، حتّى لو سعى بعد طواف القدوم سقط عنه السّعي ، ولا ينقلب عمله هذا إلى عمرة عند الشّافعيّة .

ولكلّ نوع من هذه الأنواع أحكامه على التّفصيل التّالي :
أوّلاً : طواف القدوم :

4 - ويسمّى طواف القادم ، وطواف الورود ، وطواف التّحيّة ، لأنّه شرع للقادم والوارد من غير مكّة لتحيّة البيت ، ويسمّى أيضاً طواف اللّقاء ، وأوّل عهد بالبيت ، وطواف القدوم سنّة للآفاقيّ القادم إلى مكّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة تحيّة للبيت العتيق ، لذلك يستحبّ البدء به دون تأخير .

وسوّى الشّافعيّة بين داخلي مكّة ، المحرم منهم وغير المحرم في سنّيّة طواف القدوم ، بناءً على مذهبهم في جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن قصده لحاجة غير النّسك .

ولم يجز غيرهم دخول الحرم إلاّ بنسك : يحرم حجّاً أو عمرةً ، لذلك كان طواف القدوم عندهم من مناسك الحجّ خاصّةً ، لأنّ المعتمر يبدأ بطواف العمرة .

وذهب المالكيّة إلى أنّ طواف القدوم واجب ، من تركه يجب عليه الدّم .

وفي بيان من يجب عليه طواف القدوم ، ودليل الوجوب ، وكيفيّة طواف القدوم ووقته ، ومن يسقط عنه : تفصيل سبق في مصطلح : ( حجّ ف 88 وما بعدها ) .
ثانياً : طواف الإفاضة :

5 - طواف الإفاضة ركن من أركان الحجّ المجمع عليها ، لا يتحلّل الحاجّ بدونه التّحلّل الأكبر ، ولا ينوب عنه شيء ألبتّة ، ويؤدّيه الحاجّ بعد أن يفيض من عرفة ، ويبيت بالمزدلفة ، فيأتي منىً يوم العيد ، فيرمي وينحر ويحلق ، ويأتي مكّة ، فيطوف بالبيت طواف الإفاضة ، ويسمّى أيضاً طواف الزّيارة ، ويسمّى طواف الفرض ، والرّكن ، لأنّه فرض وركن من أركان الحجّ .

وفي فرضيّة طواف الإفاضة وكيفيّته وعدد أشواطه ، وشروطه الخاصّة به ، ووقته ، وما يسنّ فيه ، وما يترتّب على تأخيره أو تركه : في ذلك كلّه تفصيل سبق في مصطلح : ( حجّ من ف 52 إلى 55 و ف 124 ) .
ثالثاً : طواف الوداع :

6 - ويسمّى طواف الصّدر ، وطواف آخر العهد .

وهو واجب عند الجمهور - الحنفيّة والحنابلة وهو الأظهر عند الشّافعيّة - ومستحبّ عند المالكيّة .

واستدلّ الجمهور على وجوبه بما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » أنّه أمر النّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت « ، إلاّ أنّه خفّف عن المرأة الحائض .

واستدلّ المالكيّة على أنّه مستحبّ ، بأنّه جاز للحائض تركه دون فداء ، ولو وجب لم يجز للحائض تركه .

وفي شروط وجوبه ومن يجب عليه وشروط صحّته ووقته تفصيل سبق في مصطلح : ( حجّ ف 70 إلى 74 )
رابعاً : طواف العمرة :

7 - وهو ركن فيها ، وأوّل وقته بعد الإحرام بالعمرة ، ولا آخر له .

وينظر التّفصيل في مصطلح : ( عمرة ) .
خامساً : طواف النّذر :

8 - وهو واجب ، ولا يختصّ بوقت إذا لم يعيّن النّاذر في نذره للطّواف وقتاً .

والتّفصيل في مصطلح : ( نذر ) .
سادساً : طواف تحيّة المسجد الحرام :

9 - وهو مستحبّ لكلّ من دخل المسجد الحرام ، إلاّ إذا كان عليه طواف آخر ، فيقوم مقامه ، كالمعتمر ، فإنّه يطوف طواف فرض العمرة ، ويندرج فيه طواف تحيّة المسجد ، كما ارتفع به طواف القدوم ، وهو أقوى من طواف تحيّة المسجد ، وذلك لأنّ تحيّة هذا المسجد الشّريف هي الطّواف إلاّ إذا كان مانع فحينئذ يصلّي تحيّة المسجد .
سابعاً : طواف التّطوّع :

10 - ومنه طواف تحيّة المسجد الحرام ، وزمنه - كما سبق - عند الدّخول ، أمّا طواف التّطوّع غير طواف التّحيّة ، فلا يختصّ بزمان دون زمان ، ويجوز في أوقات كراهة الصّلاة عند جمهور الفقهاء .

ولا ينبغي له أن يتطوّع ويكون عليه غيره من سائر الفروض .

ويصحّ من كلّ مسلم عاقل مميّز - ولو من الصّغار - إذا كان طاهراً .

ويلزم بالشّروع فيه وكذا في طواف القدوم والتّحيّة ، أي بمجرّد النّيّة عند الحنفيّة ، على الخلاف في مسألة لزوم إتمام النّافلة بالشّروع فيها .

والتّفصيل في مصطلح : ( شروع ف 5 ) .
أحكام الطّواف العامّة :

ذكر الفقهاء أموراً لا بدّ منها في الطّواف بصفة عامّة ، لكنّهم اختلفوا في عدّها ركناً أو واجباً أو شرطاً على النّحو التّالي :
أوّلاً : حصول الطّائف حول الكعبة العدد المطلوب من الأشواط :

11 - ذهب الفقهاء إلى أنّ على كلّ طائف أن يطوف حول الكعبة العدد المطلوب من الأشواط سواء كان حصوله هذا بفعل نفسه ، أو بفعل غيره ، بأن حمله الغير وطاف به ، وسواء كان قادراً على الطّواف بنفسه فأمر شخصاً أن يحمله في الطّواف أو حمله الآخر بغير أمره ، فإنّ هذا كاف في أداء فرض الطّواف ، وسقوطه عن الذّمّة ، لأنّ الفرض هو حصول الطّواف حول البيت ، وقد حصل .
ثانياً : عدد أشواط الطّواف :

12 - لا خلاف أنّ عدد أشواط الطّواف المطلوبة سبعة ، لكنّ الفقهاء اختلفوا بعد ذلك في ركنيّة السّبعة :

فالجمهور على أنّ الرّكن سبعة أشواط لا يجزئ عن الفرض أقلّ منها .

وقسّم الحنفيّة السّبعة إلى ركن وواجب .

أمّا العدد الرّكن فأكثر هذه السّبعة ، وأمّا الواجب فهو الأقلّ الباقي بعد أكثر الطّواف . واستدلّ الجمهور بقوله تعالى : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } فإنّ الآية تفيد التّكثير ، لأنّه عبّر بصيغة التّفعيل ، وقد جاء فعله صلى الله عليه وسلم مبيّناً القدر الّذي يحصل به امتثال قوله : { وَلْيَطَّوَّفُوا } وهو سبعة أشواط ، فتكون هي الفرض .

كما استدلّوا بأنّ مقادير العبادات لا تعرف بالرّأي والاجتهاد ، وإنّما تعرف بالتّوقيف ، أي التّعليم من الشّارع ، والرّسول صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً ، وفعله هذا بيان لمناسك الحجّ ، كما قال : » خذوا عنّي مناسككم « .

فالفرض طواف سبعة أشواط ولا يعتدّ بما دونها .
واستدلّ الحنفيّة بأدلّة ، منها :
1 - قوله تعالى : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } وهذا أمر مطلق عن أيّ قيد ، والأمر المطلق يوجب مرّةً واحدةً ، ولا يقتضي التّكرار ، فالزّيادة على شوط من الطّواف تحتاج إلى دليل آخر ، والدّليل قائم على فرضيّة أكثر السّبع ، وهو الإجماع ، فتكون فرضاً ، ولا إجماع على فرضيّة الباقي ، فلا يكون فرضاً بل واجباً .

2 - أنّ الطّائف قد أتى بأكثر السّبع ، والأكثر يقوم مقام الكلّ ، فكأنّه أدّى الكلّ .

وقال كمال الدّين بن الهمام من الحنفيّة : الّذي ندين به أنّه لا يجزئ أقلّ من سبع ، ولا يجبر بعضه بشيء .
الشّكّ في عدد الأشواط :

13 - لو شكّ في عدد أشواط طوافه وهو في الطّواف بنى على اليقين ، وهو الأقلّ عند جمهور الفقهاء - الشّافعيّة والحنابلة - .

قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ولأنّها عبادة ، فمتى شكّ فيها وهو فيها بنى على اليقين كالصّلاة .

وأجرى المالكيّة ذلك في غير المستنكح ، فقالوا : يبني الشّاكّ غير المستنكح على الأقلّ ، والمراد بالشّكّ مطلق التّردّد الشّامل للوهم ، أمّا الشّاكّ المستنكح فيبني على الأكثر .

وفصّل الحنفيّة في الشّكّ في عدد الأشواط بين طواف الفرض والواجب وغيره : أمّا طواف الفرض كالعمرة والزّيارة والواجب كالوداع فقالوا : لو شكّ في عدد الأشواط فيه أعاده ، ولا يبني على غالب ظنّه ، بخلاف الصّلاة ، ولعلّ الفرق بينهما كثرة الصّلوات المكتوبة وندرة الطّواف .

أمّا غير طواف الفرض والواجب وهو النّفل فإنّه إذا شكّ فيه يتحرّى ، ويبني على غالب ظنّه ، ويبني على الأقلّ المتيقّن في أصله .

أمّا إذا شكّ بعد الفراغ من الطّواف فلا يلتفت إليه عند الجمهور ، وسوّى المالكيّة بينه وبين ما إذا كان في الطّواف ، وأطلق الحنفيّة عباراتهم في الشّكّ .

وإن أخبره ثقة بعدد طوافه أخذ به إن كان عدلاً عند الأكثر ، وصرّح المالكيّة بشرط كونه معه في الطّواف ، ولم يشرط ذلك الشّافعيّة والحنابلة .

وقال الحنفيّة : لو أخبره عدل بعدد مخصوص مخالف لما في ظنّه أو علمه ، يستحبّ له أن يأخذ بقوله احتياطاً فيما فيه الاحتياط فيكذّب نفسه ، لاحتمال نسيانه ويصدّقه ، لأنّه عدل لا غرض له في خبره ، ولو أخبره عدلان وجب العمل بقولهما ، وإن لم يشكّ ; لأنّ علمين خير من علم واحد ، ولأنّ إخبارهما بمنزلة شاهدين على إنكاره في فعله أو إقراره . واستحبّ الشّافعيّة له الأخذ بقول العدل المخالف لعلمه ، خلافاً للصّلاة .
ثالثاً : النّيّة :
14 - مجرّد إرادة الدّوران حول الكعبة لا لقصد شيء آخر يكفي في هذا الشّرط ، دون تعيينه للفرض أو الوجوب أو السّنّة ، ولا تعيين كونه للإفاضة أو للصّدر أو للقدوم ونحو ذلك ، كما صرّح به الحنفيّة في الرّاجح .

ومن قام بعمل الطّواف لطلب غريم أو فراراً من ظالم لا يعتدّ به ما لم ينو مع عمله هذا الطّواف وفي شرح مختصر الطّحاويّ : نيّة الحجّ عند الإحرام كافية عن نيّة الطّواف .

وقال الحنفيّة : لو طاف طوافاً في وقته الّذي عيّن الشّارع وقوعه فيه وقع عنه ، نواه بعينه أو لا ، أو نوى طوافاً آخر ، فلو قدم معتمراً وطاف بأيّ نيّة كانت من نيّات الطّواف كأن نواه تطوّعاً يقع طوافه عن العمرة ، أو قدم حاجّاً وطاف قبل يوم النّحر وقع عن طواف القدوم .

وقال الدّسوقيّ : إنّ نيّة الإحرام بالحجّ يندرج فيها الوقوف كالطّواف والسّعي وتطلب النّيّة من المارّ دون غيره .

وقرّر الشّافعيّة : أنّ نيّة الطّواف شرط إن استقلّ بأن لم يشمله نسك ، كالطّواف المنذور والمتطوّع به ، قال ابن الرّفعة : وطواف الوداع لا بدّ له من نيّة ، لأنّه يقع بعد التّحلّل ، لأنّه ليس من المناسك عند الشّيخين ، بخلاف الطّواف الّذي يشمله نسك وهو طواف الرّكن للحجّ أو العمرة وطواف القدوم فلا يحتاج ذلك إلى نيّة في الأصحّ ، لشمول نيّة النّسك له ، وقالوا : ما لم يصرف الطّواف إلى غرض آخر من طلب غريم أو نحوه .

وقال الحنابلة : لا بدّ لصحّة الطّواف من النّيّة لحديث : » إنّما الأعمال بالنّيّات « .

ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمّاه صلاةً والصّلاة لا تصحّ إلاّ بالنّيّة اتّفاقاً ، وفي طواف الإفاضة يعيّن في نيّته هذا الطّواف .
طواف المغمى عليه :

15 - لو طاف بالمغمى عليه رفاقه محمولاً ، أجزأ ذلك الطّواف الواحد عن الحامل والمحمول إن نواه الحامل عن نفسه وعن المحمول ، وإن كان بغير أمر المغمى عليه ، بناءً على أنّ عقد الرّفقة متضمّن لفعل هذه المنفعة ، وسواء اتّفق طوافهما بأن كان لعمرتهما ، أو لزيارتهما ، ونحوهما ، أو اختلف طوافهما ، فيكون طواف الحامل عمّا أوجبه إحرامه ، وطواف المحمول كذلك .

وانظر المسألة في مصطلح : ( إحرام ف 137 - 143 ) .
طواف النّائم والمريض :

16 - لو طاف أحد بمريض وهو نائم من غير إغماء ففيه تفصيل عند الحنفيّة : إن كان الطّواف بأمره وحملوه على فوره أي ساعته عرفاً وعادةً يجوز ، وإلاّ بأن طافوا به من غير أن يأمرهم بالطّواف به أو فعلوا لكن لا على فوره فلا يجزيه الطّواف .

ففرّقوا في الحكم بين الوقوف والطّواف لعدم اشتراط النّيّة في الوقوف بعرفة ، وفرّقوا بين المغمى عليه والنّائم فاكتفوا في المغمى عليه بعقد الرّفقة ، وفي المريض النّائم اعتبروا الأمر الصّريح لقيام نيّتهم مقام نيّته ، لأنّ أقرب إلى الشّعور من حال المغمى عليه .

وعند غير الحنفيّة ينتظر حتّى يفيق المغمى عليه والنّائم ويستوفي شروط الطّواف الّتي منها الطّهارتان .
رابعاً : وقوع الطّواف في المكان الخاصّ :

17 - مكان الطّواف هو حول الكعبة المشرّفة داخل المسجد الحرام ، قريباً من البيت أو بعيداً عنه ، وهذا شرط متّفق عليه ، لقوله تعالى : { وليطّوّفوا بالبيت العتيق } .

فلو طاف من وراء مقام إبراهيم عليه السلام ، أو من وراء حائل كمنبر أو غيره كالأعمدة ، أو على سطح المسجد الحرام أجزأه ذلك ، لأنّه قد حصل حول البيت ، ما دام ضمن المسجد، وإن وسع المسجد ، ومهما توسّع ما لم يبلغ الحلّ عند الجمهور .

وقال المالكيّة : يجوز الطّواف بسقائف المسجد ، وهي محلّ كان به قباب معقودة ، ومن وراء زمزم وقبّة الشّراب حذاء زمزم ، ولا يضرّ حيلولة الأسطوانات وزمزم والقبّة بين الطّائف والبيت بسبب زحمة انتهت إليها ، لأنّ الزّحام يصيّر الجميع متّصلاً بالبيت ، وإن لم تكن زحمة بل طاف تحت السّقائف اعتباطاً ، أو لحرّ ، أو لبرد ، أو مطر أعاد وجوباً ما دام بمكّة ، ولم يرجع له من بلده أو ممّا يتعذّر منه الرّجوع ، وعليه الدّم ، لكنّ الظّاهر أنّ الحرّ والبرد الشّديدين كالزّحمة ، كما قرّر الدّسوقيّ ، وعلى هذا لو طاف في السّقائف لزحمة ثمّ قبل كماله زالت الزّحمة وجب إكماله في المحلّ المعتاد ، سواء كان الباقي قليلاً أو كثيراً ، فلو كمل الباقي في السّقائف فالظّاهر أنّه يعيد ذلك الّذي كمّله في السّقائف .
خامساً : أن يكون الطّواف حول البيت كلّه :

18 - وذلك يشمل الشّاذروان ، وهو الجزء السّفليّ الخارج عن جدار البيت مرتفعاً على وجه الأرض على القول بأنّه من الكعبة .

وقد اختلف فيه هل هو من الكعبة أو ليس من الكعبة ؟ فقال جماعة : هو من الكعبة تركته قريش لضيق النّفقة ، وقال الحنفيّة : ليس من الكعبة وعليه المحقّقون .
سادساً : أن يكون الحجر داخلاً في طوافه :

19 - الحِجْر - بكسر الحاء وسكون الجيم - هو الموضع المحاط بجدار مقوّس تحت ميزاب الكعبة ، في الجهة الشّماليّة من الكعبة ، ويسمّى الحطيم أيضاً .

والحجر هو جزء من البيت ، تركته قريش لضيق النّفقة ، وأحاطته بالجدار ، وقيل : الّذي منها ستّة أذرع أو سبعة أذرع ، فالنّظر في القدر الزّائد إلى طواف النّبيّ صلى الله عليه وسلم من ورائه ، وهو ما قطع به أكثر الشّافعيّة كما صرّح به النّوويّ في المجموع . وعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لها : » ألم تري أنّ قومك لمّا بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم ؟ فقلت : يا رسول اللّه ، ألا تردّها على قواعد إبراهيم ؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت فقال عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما : لئن كانت عائشة رضي الله عنها سمعت هذا من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ترك استلام الرّكنين اللّذين يليان الحجر إلاّ أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم « .

وعنها قالت : » سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو ؟ قال : نعم « .

وقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وعطاء وأبو ثور وابن المنذر : إلى أنّ الطّواف من وراء الحطيم فرض ، من تركه لم يعتدّ بطوافه ، حتّى لو مشى على جداره لم يجزئه ، لأنّه جزء من الكعبة ، كما ثبت ذلك بالسّنّة الصّحيحة ، ويجب أن يكون داخلاً في الطّواف . واستدلّوا أيضاً بمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم على الطّواف من وراء الحجر ، وفعله بيان للقرآن ، فيلتحق به ، فيكون فرضاً .

أمّا الحنفيّة فقالوا : دخول الحجر في الطّواف واجب لأنّ كونه جزءاً من البيت ثبت بخبر الواحد ، وخبر الواحد يثبت به الوجوب عندهم لا الفرض .

وعلى ذلك فمن ترك الطّواف خلف الحجر لم يصحّ طوافه عند الجمهور ، ولم يعتدّ به ، لأنّه لم يطف بجميع البيت .

أمّا عند الحنفيّة فيجب عليه إعادة الطّواف ما دام بمكّة ، فإن رجع إلى بلده بغير إعادة فعليه هدي يرسله إلى مكّة ، والأفضل عند الحنفيّة إعادة كلّ الطّواف ليؤدّيه على الوجه الحسن ، وللخروج من الخلاف .

أمّا الواجب في الإعادة : فيجزيه أن يأخذ عن يمينه خارج الحجر مبتدئاً من أوّل أجزاء الفرجة أو قبله بقليل احتياطاً ، ويطوف حتّى ينتهي إلى آخره ، ثمّ يدخل الحجر من الفرجة الّتي وصل إليها ويخرج من الجانب الآخر ، أو لا يدخل الحجر ، بل يرجع ويبتدئ من أوّل الحجر .
سابعاً : ابتداء الطّواف من الحجر الأسود :

20 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو قول عند المالكيّة إلى أنّ ابتداء الطّواف من الحجر الأسود شرط لصحّة الطّواف ، وهو رواية في مذهب الحنفيّة ، فلا يعتدّ بالشّوط الّذي بدأه بعد الحجر الأسود .

واستدلّوا بمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجعلوها دليل الفرضيّة ، لأنّها بيان لإجمال القرآن .

ولا بدّ عندهم من محاذاة الحجر الأسود بجميع البدن ، لأنّ ما وجب فيه محاذاة البيت وجبت محاذاته بجميع البدن ، كالاستقبال في الصّلاة .

وذهب الحنفيّة والمالكيّة على الرّاجح في المذهبين إلى أنّ ابتداء الطّواف من الحجر الأسود واجب ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك ، والمواظبة دليل الوجوب ، لا سيّما وقد قال صلى الله عليه وسلم : » خذوا عنّي مناسككم « فيلزم الدّم بترك البداية منه في طواف الرّكن .

قال المحقّق الشّيخ عليّ القارئ : ولو قيل : إنّه واجب لا يبعد ، لأنّ المواظبة من غير ترك مرّة دليله ، فيأثم به ويجزيه ، ولو كان في الآية إجمال لكان شرطاً كما قال محمّد ، لكنّه منتف في حقّ الابتداء ، فيكون مطلق التّطوّف فرضاً ، وافتتاحه - أي من الحجر الأسود - واجباً للمواظبة . وهو الأشبه والأعدل ، فينبغي أن يكون هو المعوّل .
ثامناً : التّيامن :

21 - التّيامن : سير الطّائف عن يمين الكعبة ، وجعل يساره لجانب الكعبة ، وهذا شرط عند جمهور الفقهاء وقرّروا أنّ الطّواف على عكس ذلك باطل .

واستدلّوا : » بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل البيت في الطّواف على يساره « ، ولأنّها عبادة متعلّقة بالبيت فيجب فيها التّرتيب كالصّلاة .

وقال الحنفيّة : التّيامن واجب في الطّواف ، والطّواف على عكسه صحيح مع الكراهة التّحريميّة ، وتجب إعادته ما دام بمكّة ، وإن رجع إلى أهله من غير إعادة يجب عليه الدّم . واستدلّوا بأنّه هيئة متعلّقة بالطّواف ، فلا تمنع صحّته ، وجعلوا الآية : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } دليلاً على إجزاء الطّواف وصحّته على أيّ هيئة ، لأنّ الأمر مطلق ، فيتأدّى الرّكن بدون تلك الهيئة ، وحملوا فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم على الوجوب .
تاسعاً : الطّهارة من الحدث والخبث :

22 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّ الطّهارة من الأحداث ومن الأنجاس شرط لصحّة الطّواف ، فإذا طاف فاقداً أحدها فطوافه باطل لا يعتدّ به .

وقال الحنفيّة : الطّهارة من الحدث ومن الخبث واجب للطّواف ، وهو رواية عن أحمد .

وإن كان أكثر الحنفيّة على أنّ الطّهارة من النّجاسة الحقيقيّة سنّة مؤكّدة .

استدلّ الجمهور بحديث ابن عبّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : » الطّواف بالبيت صلاة فأقلّوا من الكلام « .

وإذا كان صلاةً والصّلاة لا تجوز بدون الطّهارة من الأحداث ، فكذلك الطّواف لا بدّ فيه من الطّهارة .

واستدلّ الحنفيّة بقوله تعالى : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } .

ووجه الاستدلال بها أنّ الأمر بالطّواف مطلق لم يقيّده الشّارع بشرط الطّهارة ، وهذا نصّ قطعيّ ، والحديث خبر آحاد ويفيد غلبة الظّنّ فلا يقيّد نصّ القرآن ، لأنّه دون رتبته ، فحملنا الحديث على الوجوب وعملنا به .

وعلى ذلك : فمن طاف محدثاً فطوافه باطل عند الجمهور ، وعليه العود لأدائه إن كان طوافاً واجباً ، ولا تحلّ له النّساء إن كان طواف إفاضة حتّى يؤدّيه .

أمّا عند الحنفيّة فهو صحيح لكن تجب إعادته ما دام بمكّة ، وإلاّ وجب عليه الفداء .

ومن أحدث في أثناء الطّواف يذهب فيتوضّأ ويتمّم الأشواط ولا يعيدها عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو رواية عن مالك .

والمشهور عن مالك : أنّه يعيد الطّواف من أوّله ، ولا يبني على الأشواط السّابقة ، وذلك لأنّ الموالاة في أشواط الطّواف شرط في صحّة الطّواف .

وذهب الحنابلة إلى أنّه إن أحدث عمداً فإنّه يبتدئ الطّواف ، لأنّ الطّهارة شرط له ، وإن سبقه الحدث ففيه روايتان :

إحداهما : يبتدئ أيضاً ، والرّواية الثّانية : يتوضّأ ويبني ، قال حنبل عن أحمد فيمن طاف ثلاثة أشواط أو أكثر ، يتوضّأ فإن شاء بنى ، وإن شاء استأنف ، قال أبو عبد اللّه : يبني إذا لم يحدث حدثاً إلاّ الوضوء ، فإن عمل عملاً غير ذلك استقبل الطّواف ، وذلك لأنّ الموالاة تسقط عند العذر في إحدى الرّوايتين ، وهذا معذور ، فجاز البناء ، وإن اشتغل بغير الوضوء فقد ترك الموالاة لغير عذر فلزمه الابتداء إذا كان الطّواف فرضاً ، فأمّا المسنون فلا تجب إعادته كالصّلاة المسنونة إذا بطلت .
عاشراً : ستر العورة :

23 - ذهب الجمهور إلى أنّ ستر العورة شرط في صحّة الطّواف ، وقال الحنفيّة : هو واجب في الطّواف ليس شرطاً لصحّته ، وذلك لأنّ الطّواف عند الجمهور كالصّلاة يجب فيه ستر العورة لقوله صلى الله عليه وسلم : » الطّواف بالبيت صلاة « ، ولحديث : » لا يطوف بالبيت عريان « .

فمن أخلّ بستر العورة الإخلال المفسد للصّلاة بحسب المذاهب ، فسد طوافه عند الجمهور ، وعند الحنفيّة عليه الدّم .
حادي عشر : موالاة أشواط الطّواف :

24 - اشتراط الموالاة بين أشواط الطّواف مذهب المالكيّة والحنابلة ، وعند الحنفيّة والشّافعيّة سنّة للاتّباع ، لأنّه صلى الله عليه وسلم والى في طوافه ، وفي قول عند الشّافعيّة أنّ الموالاة واجبة .

ودليل شرط الموالاة ووجوبها حديث : » الطّواف بالبيت صلاة « فيشترط له الموالاة كسائر الصّلوات ، ودليل السّنّيّة فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم .
ثاني عشر : المشي للقادر عليه :

25 - ذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّ المشي للقادر عليه واجب مطلقاً في أيّ طواف ، وعند المالكيّة واجب في الطّواف الواجب ، وأمّا الطّواف غير الواجب فالمشي فيه سنّة عندهم .

وذهب الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّ المشي في الطّواف سنّة .

فلو طاف راكباً مع قدرته على المشي لزمه دم عند الحنفيّة والمذهب عند الحنابلة لتركه واجب المشي ، إلاّ إذا أعاده ماشياً ، أمّا عند الشّافعيّة والرّواية الأخرى عن أحمد فيجوز طوافه بلا كراهية .

أمّا إذا كان عاجزاً عن المشي وطاف محمولاً فلا فداء عليه اتّفاقاً ولا إثم .
ثالث عشر : فعل طواف الإفاضة في أيّام النّحر :

26 - ذهب أبو حنيفة إلى أنّ أداء طواف الإفاضة في أيّام النّحر واجب فلو أخّره حتّى أدّاه بعدها صحّ ووجب عليه دم ، جزاء تأخيره عنها وهو المفتى به في المذهب .

والمشهور عند المالكيّة : أنّه لا يلزمه بالتّأخير شيء إلاّ بخروج ذي الحجّة فإذا خرج لزمه دم ، وذهب الشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان إلى أنّه لا يلزمه شيء بالتّأخير .

وفي تفصيل ذلك ينظر مصطلح : ( حجّ ف 55 ) .
رابع عشر - ركعتا الطّواف بعد كلّ سبعة أشواط :

27 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب بعد كلّ طواف فرضاً أو نفلاً صلاة ركعتين ، وهو رواية عن أحمد وقول عند الشّافعيّة ، ووافقهم المالكيّة في الطّواف الرّكن ، أو الواجب في المشهور عندهم .

واستدلّوا بمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبما ورد في حديث جابر : » أنّه صلى الله عليه وسلم تقدّم إلى مقام إبراهيم فقرأ : { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً } فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول - ولا أعلمه ذكره إلاّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الرّكعتين : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } و { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } « .

وهذا إشارة إلى أنّ صلاته بعد الطّواف امتثال لهذا الأمر ، والأمر للوجوب ، إلاّ أنّ استنباط ذلك من الحديث ظنّيّ ، وذلك يثبت الوجوب الّذي هو دون الفرض وفوق السّنّة .

والمذهب عند الشّافعيّة والحنابلة أنّ ركعتي الطّواف سنّة .

واستدلّوا بما ورد من الأحاديث بتحديد الصّلاة المفترضة بالصّلوات الخمس ، وصلاة الطّواف - كما قال الشّيرازيّ - صلاة زائدة على الصّلوات الخمس ، فلم تجب بالشّرع على الأعيان كسائر النّوافل .

وعند الشّافعيّة والحنابلة إذا صلّى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عن ركعتي الطّواف .

وعند المالكيّة في غير طواف الفرض والواجب تردّد بين الوجوب والسّنّيّة ، واستظهر الحطّاب أنّ الرّكعتين سنّة كما قال الدّسوقيّ .
سنن الطّواف :
أ - الاضطباع :

28 - هو أن يجعل وسط الرّداء تحت إبطه اليمنى عند الشّروع في الطّواف ويردّ طرفيه على كتفه اليسرى وتبقى كتفه اليمنى مكشوفةً ، واللّفظ مأخوذ من الضّبع وهو عضد الإنسان .

وهو سنّة عند الجمهور للرّجال دون النّساء ، لما روي عن يعلى بن أميّة : » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً « ، وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما : » أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم اليسرى « .

ويسنّ الاضطباع عند الحنفيّة والشّافعيّة في كلّ طواف بعده سعي كطواف القدوم لمن أراد أن يسعى بعده ، وطواف العمرة ، وطواف الزّيارة إن أخّر السّعي إليه ، وزاد الحنفيّة طواف النّفل إذا أراد أن يسعى بعده من لم يعجّل السّعي بعد طواف القدوم .

وقال الحنابلة : لا يضطبع في غير طواف القدوم .

والاضطباع سنّة في جميع أشواط الطّواف ، فإذا فرغ من الطّواف ترك الاضطباع ، حتّى أنّه تكره صلاة الطّواف مضطبعاً كما صرّح الحنفيّة والشّافعيّة .

( ر : اضطباع ف 4 ) .
ب - الرّمَل :

29 - الرّمل هو : إسراع المشي مع تقارب الخطى وهزّ الكتفين من غير وثب .

والرّمل سنّة في كلّ طواف بعده سعي ، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : » قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكّة وقد وهنتهم حمّى يثرب . فقال المشركون : إنّه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمّى ، ولقوا منها شدّةً ، فجلسوا ممّا يلي الحجر ، وأمرهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الرّكنين ليرى المشركون جلدهم ، فقال المشركون : هؤلاء الّذين زعمتم أنّ الحمّى قد وهنتهم ، هؤلاء أجلد من كذا وكذا « .

لكنّ الرّمل ظلّ سنّةً في الأشواط الثّلاثة الأولى بتمامها ، فقد فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حجّته ، وكانت بعد فتح مكّة ودخول النّاس في دين اللّه أفواجاً ، كما سبق في حديث جابر : » فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً « .

وسار على ذلك الصّحابة أبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعده صلى الله عليه وسلم . ثمّ الرّمل كالاضطباع سنّة في حقّ الرّجال ، أمّا النّساء فلا يسنّ لهنّ رمل ولا اضطباع . واستثنى الحنابلة من سنّيّة الرّمل أهل مكّة ومن أحرم منها أيضاً ، فلا يسنّ لهم الرّمل عندهم .
ج - ابتداء الطّواف من جهة الرّكن اليمانيّ :

30 - يسنّ أن يبدأ الطّواف قريباً من الحجر الأسود من جهة الرّكن اليمانيّ ، ثمّ يستقبل الحجر مهلّلاً رافعاً يديه ، وذلك ليتحقّق ابتداء الطّواف من الحجر الأسود ، وهو واجب . لكنّ المرور بجميع البدن على الحجر الأسود ليس واجباً عند الحنفيّة والمالكيّة ، وهو واجب عند الشّافعيّة والحنابلة ، لذلك صرّح المحقّقون في المذهب الحنفيّ باستحباب هذه الكيفيّة خروجاً من الخلاف ، فلوا استقبل الحجر مطلقاً ونوى الطّواف كفى في حصول المقصود الّذي هو الابتداء من الحجر عند الحنفيّة والمالكيّة .

قال الحطّاب : يستقبل الحجر بجميع بدنه وتكون يده اليسرى محاذيةً ليمين الحجر ثمّ يقبّله ويمشي على جهة يده اليمنى .
د - استقبال الحجر عند ابتداء الطّواف :

31 - استقبال الحجر عند ابتداء الطّواف ، ورفع اليدين عند التّكبير مقابلة الحجر ، نصّ على هذه السّنّة الحنفيّة .
هـ – استلام الحجر وتقبيله :

32 – استلام الحجر وتقبيله في ابتداء الطّواف وفي كلّ شوط ، وبعد ركعتي الطّواف ، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء ، لكنّ المالكيّة قيّدوا السّنّيّة بأوّل الطّواف وجعلوا ذلك مستحبّاً في باقيه ، واستحبّ الحنفيّة تقبيل الحجر .

وصفة الاستلام : أن يضع كفّيه على الحجر ، ويضع فمه بين كفّيه ويقبّله .

عن ابن عمر : أنّ عمر رضي الله عنه قبّل الحجر وقال : إنّي لأعلم أنّك حجر ، ولولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك .

وأخرج أبو داود والنّسائيّ عن ابن عمر قال : » كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الرّكن اليمانيّ والحجر في كلّ طوفة « وكان ابن عمر يفعله .
و - استلام الرّكن اليمانيّ :

33 - استلامه يكون بوضع اليدين عليه ، وهو الرّكن الواقع قبل ركن الحجر الأسود .

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما تركت استلام هذين الرّكنين : اليمانيّ والحجر ، مذ رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يستلمهما ، في شدّة ولا رخاء .

والسّنّيّة مذهب الجمهور ، وقول محمّد من الحنفيّة ، لكنّه عند المالكيّة سنّة في الشّوط الأوّل مندوب في غيره ، وقال الشّيخان : أبو حنيفة وأبو يوسف : هو مندوب .

وذهب الفقهاء إلى أنّه لا يقبّله ولا يسجد عليه .

وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يقبّل ما استلم به الرّكن اليمانيّ ولا يشير إليه .

وعند الشّافعيّة يقبّل ما استلم به الرّكن اليمانيّ ويشير إليه عند العجز عن الوصول إليه ، وعند المالكيّة يضع يده على فمه من غير تقبيل .

أمّا غير هذين الرّكنين فلا يسنّ استلامه ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يستلم هذين الرّكنين ولا يستلم غيرهما ، عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما قال : » لم أر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلاّ الرّكنين اليمانيّين « .

وقد أبدى العلماء لذلك التّفاوت بين أركان البيت سبباً وضّحه الرّمليّ فقال : والسّبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام : أنّ الرّكن الّذي فيه الحجر الأسود فيه فضيلتان : كون الحجر فيه ، وكونه على قواعد سيّدنا إبراهيم ، واليمانيّ فيه فضيلة واحدة : وهي كونه على قواعد أبينا إبراهيم ، وأمّا الشّاميّان فليس لهما شيء من الفضيلتين .
ز - الدّعاء :

34 - وهو مخيّر فيه غير محدود عند المالكيّة ، وصرّح الشّافعيّة بأنّه يسنّ في أوّل الطّواف ، وفي كلّ طوفة الدّعاء بالمأثور وهو : " بسم اللّه واللّه أكبر ، اللّهمّ إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، ووفاءً بعهدك ، واتّباعاً لسنّة نبيّك محمّد صلى الله عليه وسلم " والدّعاء المأثور في بقيّة جوانب البيت وهو مندوب ، ومنه :
الدّعاء عند رؤية الكعبة :

35 - اللّهمّ زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابةً ، وزد من شرّفه وكرّمه ممّن حجّه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وبرّاً .

اللّهمّ أنت السّلام ، ومنك السّلام ، فحيّنا ربّنا بالسّلام .
دعاء افتتاح الطّواف واستلام الحجر الأسود أو المرور به :

36 - بسم اللّه واللّه أكبر ، اللّهمّ إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، ووفاءً بعهدك واتّباعاً لسنّة نبيّك صلى الله عليه وسلم . وحكمه كما سبق .

والمعنى : أطوف باسم اللّه ، وأطوف اللّهمّ إيماناً بك .
الدّعاء في الأشواط الثّلاثة الأولى :

37 - اللّهمّ اجعله حجّاً مبروراً ، وسعياً مشكوراً ، وذنباً مغفوراً ، اللّهمّ لا إله إلاّ أنت وأنت تحيي بعدما أمتّ

وإذا كان يؤدّي عمرةً دعا فقال : اجعلها عمرةً مبرورةً ، وإن كان طوافاً نفلاً دعا : اجعله طوافاً مبروراً أي مقبولاً وسعياً مشكوراً - وسعي الرّجل عمله - كما قال تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى } .
الدّعاء في الأشواط الأربعة الباقية :

38 - اللّهمّ اغفر وارحم ، واعف عمّا تعلم ، وأنت الأعزّ الأكرم .

الدّعاء عند الرّكن اليمانيّ :

39 - بسم اللّه واللّه أكبر ، والسّلام على رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكفر والفقر والذّلّ ، ومواقف الخزي في الدّنيا والآخرة ، ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار .
الدّعاء بين الرّكن اليمانيّ والحجر الأسود :

40 -[/c
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابوسلمى
مبدع جديد
مبدع جديد



ذكر
عدد المساهمات : 36
العمر : 62
الموقع : مصر
العمل/الترفيه : مدرس
نقاط : 4642
تاريخ التسجيل : 19/10/2011

موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد)   موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد) Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 19, 2011 9:38 pm


طُمَأْنِينَة *

التّعريف :

1 - الطّمأنينة لغةً : السّكون ، يقال : اطمأنّ الرّجل اطمئناناً وطمأنينةً : أي سكن ، واطمأنّ القلب : إذا سكن ولم يقلق .

ومنه قوله تعالى : { وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } أي ليسكن إلى المعاينة بعد الإيمان بالغيب ، وقوله تعالى : { فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } أي إذا سكنت قلوبكم .

وفي المصباح المنير : اطمأنّ بالموضع أقام به واتّخذه وطناً ، وموضع مطمئنّ منخفض . والطّمأنينة اصطلاحاً : هي استقرار الأعضاء زمناً ما .

وللفقهاء تفصيل في حدّ هذا الزّمن سيأتي بيانه في الحكم الإجماليّ .

الألفاظ ذات الصّلة :

التّعديل :

2 - التّعديل في اللّغة : إقامة الحكم ، والتّزكية ، وتسوية الميزان .

واصطلاحاً : استعمل الحنفيّة التّعديل بمعنى الطّمأنينة ، فيعدّون من واجبات الصّلاة تعديل الأركان ، ويقصدون بذلك تسكين الجوارح في الرّكوع والسّجود حتّى تطمئنّ المفاصل . فالتّعديل بهذا المعنى مرادف للطّمأنينة .

الحكم الإجماليّ :

3 - اختلف الفقهاء في حكم الطّمأنينة في الصّلاة ، فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة وابن الحاجب من المالكيّة إلى أنّ الطّمأنينة ركن من أركان الصّلاة ، لحديث المسيء صلاته وهو : » أنّ رجلاً دخل المسجد فصلّى ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فردّ عليه ، ثمّ قال : ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ ، فعل ذلك ثلاثاً ، ثمّ قال : والّذي بعثك بالحقّ ما أحسن غيره ، فعلّمني ، فقال : إذا قمت إلى الصّلاة فكبّر ، ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن ، ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعاً ، ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائماً ، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً ، ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالساً ، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً ، ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها « .

ومحلّ الطّمأنينة عندهم : في الرّكوع ، والسّجود ، والاعتدال من الرّكوع ، والجلوس بين السّجدتين .

وذهب الحنفيّة - عدا أبي يوسف - إلى أنّ الطّمأنينة واجبة وليست بفرض ويسمّونها " تعديل الأركان " وهي سنّة في تخريج الجرجانيّ ، والصّحيح الوجوب ، وهو تخريج الكرخيّ .

قال ابن عابدين : حتّى تجب سجدتا السّهو بتركه ، كذا في الهداية وجزم به في الكنز والوقاية والملتقى وهو مقتضى الأدلّة .

ومحلّ التّعديل عندهم في الرّكوع والسّجود ، واختار بعض الحنفيّة وجوب التّعديل في الرّفع من الرّكوع ، والجلوس بين السّجدتين أيضاً .

قال ابن عابدين : الأصحّ روايةً ودرايةً وجوب تعديل الأركان ، وأمّا القومة والجلسة وتعديلهما فالمشهور في المذهب السّنّيّة ، وروي وجوبها وهو الموافق للأدلّة وعليه الكمال ومن بعده من المتأخّرين .

وقال أبو يوسف : بفرضيّة الكلّ ، واختاره في المجمع والعين ، ورواه الطّحاويّ عن أئمّة الحنفيّة الثّلاثة ، وقال في الفيض : إنّه الأحوط .

وعند المالكيّة في الطّمأنينة خلاف .

قال الدّسوقيّ : القول بفرضيّتها صحّحه ابن الحاجب والمشهور من المذهب أنّها سنّة ، ولذا قال زرّوق والبنّانيّ : من ترك الطّمأنينة أعاد في الوقت على المشهور وقيل : إنّها فضيلة .

أقلّ الطّمأنينة :

4 - ذهب جمهور الفقهاء : - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ أقلّ الطّمأنينة هو سكون الأعضاء .

قال المالكيّة : أقلّها ذهاب حركة الأعضاء زمناً يسيراً .

وقال الشّافعيّة : أقلّها أن يمكث المصلّي حتّى تستقرّ أعضاؤه وتنفصل حركة هويّه عن ارتفاعه .

قال النّوويّ : ولو زاد في الهويّ ثمّ ارتفع والحركات متّصلة ولم يلبث لم تحصل الطّمأنينة ، ولا يقوم زيادة الهويّ مقام الطّمأنينة بلا خلاف .

وقال الحنابلة : أقلّها حصول السّكون وإن قلّ ، وهذا على الصّحيح من المذهب ، وقيل : هي بقدر الذّكر الواجب ، قال المرداويّ : وفائدة الوجهين : إذا نسي التّسبيح في ركوعه ، أو في سجوده ، أو التّحميد في اعتداله ، أو سؤال المغفرة في جلوسه أو عجز عنه لعجمة أو خرس ، أو تعمّد تركه ، وقلنا : هو سنّة ، واطمأنّ قدراً لا يتّسع له فصلاته صحيحة على الوجه الأوّل ، ولا تصحّ على الثّاني .

وذهب الحنفيّة إلى أنّ أقلّ الطّمأنينة هو تسكين الجوارح قدر تسبيحة .

وتفصيل ذلك في مصطلح : ( صلاة ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
موسوعة فقه العبادات – طهارة –قبلة (متجدد)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسوعة التاريخ الإسلامي
» كتاب صورمن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ( متجدد)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الإسلامي :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: