ما قاله الشاعر تميم البرغوثي في وفاة محمود درويش

أثناء مشاركة الشاعر تميم البرغوثي في الؤتمر الشعبي الفلسطيني الذي إنعقد في مدينة شكاغو الأمريكية سمع بوفاة الشاعر محمود درويش

فألقى هذه الكلمة تعبيرا عما يجول في قلبه



يخلع الكلام زينته وحليه

أقراطه وخلاخيله

لا داعي للوزن ولا للقافية

ولا لبلاغة ولا لسجع

في الحداد يكون البلاغ في غياب البلاغة

ويكون الإفصاح في غياب الفصاحة

مات محمود درويش

مات ابن البروة في بلد يصعب على أمه أن تلفظ اسمه

مات في بلد بعيد لينتقل جثمانه في الطائرات

كما ينتقل جثمان كثير من الفلسطينيين اللذين يموتون في الغربة

كاننا حتى في الموت نسافر وننتقل

ثم إنه لم يدفن في مسقط رأسه

لم يدفن في بلده إلا بإذن من من اغتصبوا ذلك البلد

وإن دفن فيه فإنه يكون محجوزا عن أهله

يكونون ممنوعين من أن يقرؤوا على روحه الفاتحة أو أن يزوروا قبره

إن دفن في غيره إن دفن بين أهله

فإنه في قبره موجود وجودا مؤقتا

إلى أن يعاد إلى مسقط رأسه

أو يعود مسقط رأسه إليه

فكأنه حتى وهو في القبر

معرض للحل والارتحال

معرض للانتقال

معرض للترحيل

الفلسطيني معرض للطرد حتى وهو في قبره

أقول مات محمود درويش

مات من كان يؤسس لفلسطين فكرة

فإن الأوطان تؤسس في الخيال قبل أن تؤسس في الحقيقة

لايصبح الناس مجموعة من الناس

لا يصبحون شعبا إلا إذا أصبحوا في خيالهم وفكرهم شعبا

إلا إذا أصبحوا واعين بانهم جماعة واحدة

وتكونت في بالهم وخيالهم صورة عن أنفسهم

وسعوا سعيا أن يكونوها

وهذه الصورة التي في الخيال

ينشئها الشعراء إنشاء

وينشئها المثالون والرسامون والمؤرخون والشهداء

وفد كان محمود يعمل على إنشائها حياته كلها

وحتى في أواخر أيامه

عندما كان يحاول أن يحمي قصيدته من وطء القضية

عندما كان يكتب عن نفسه

عن تاريخه

عن حياته

عن وحدته

عن غربته

كان جماعيا أيضا

لقدكان في إنفراده يعبرعن حالة جماعية انفرط فيها عقد الجماعة

وانطوى فيها كل منا على نفسه

ثم إنه في محاولاته الدائمة لإقصاء البلد بآلامه عن جمال قصيدته

كان يؤكد حضور البلد بآلامه في قصيدته

لأن تعمد المرء أن ينسى شيئا ماهو إلا تذكر له

لم يستطع أن يستقل عن فلسطين

ولم تستقل عنه

أو تخلص منه

اوتبعد عنه

أو تهرب من يديه فلسطين أبدا

أقول إن محمود مات وأهله منقسمون

وأهله يقتل بعضهم بعضا

ويسرقون من الدم الحرام ملا سكوت عليه

ولا بقاء معه

في فلسطين سلطتان وما فيها دولة

في فلسطين سيارات وما فيها طرق

في فلسطين آراء وما فيها رؤية

ليكن موته إذا تذكرة ودعوة لكي نؤكد على الفكرة التي عاش حياته يبنيها وينشئها

فكرة فلسطين

لايستغلن أحد موته في جدال سياسي

ولا في تعميق فكرة كانت حياته نقيضا لها

فليحمى في موته من هذا

وليجل عن ذلك

لقد مات في الغربة

مات غريبا

كما مات آلاف الفلسطينيين غرباء

لذلك

لمن كان من أهله في هذا البلد

أتمنى عليهم أن يودعوه

بأي طريقة يرونها

بجنازة رمزية

بخروج إلى مستشفاه

بتوديع لجثمانه

بما يرونه من طريق

لا تتركوا المرء وحده

فإنه نال من الوحدة في حياته ما كفاه

لا تخونوه في موته

وأكدوا على ذلك البلد

لأنه إن كان مات الشاعر فإن البلد لا يمكن أن يموت

وإن الفكرة البلد لا يمكن أن تموت

مات الشاعر

فحافظوا على البلد

لأنه كان قصيدته الوحيدة