قضاء وقدر (1), بقلم: نـور

قضاء وقدر..!

أحد أركان الإيمان.. الإيمان بالقضاء والقدر..!

كنتُ صغيرة, في الصف الرابع, عندما تعلّمنا هذا الدرس, ولا أدري –حسب ما أذكر- لما كان هذا الدرس من أصعب دروس الدين التي تعلمتها في حياتي! فقبل الامتحان بأسبوع تقريبا, أذكر أني بذلتُ أقصى طاقات كياني كي أحفظ هذا الدرس –أركان الإيمان-, ولكن محاولاتي كلها باءت بالفشل!

وحتى الآن لا أعلم السبب الحقيقي وراء هذا الفشل العظيم! أهي خلفية الكتاب الزرقاء.. ومن حولها زخرفات خضراء؟ فهذه الألوان مجتمعة تسبب لي الصداع الشديد.. أم أن السبب هو رائحة السجائر التي تفوح من الأستاذ والتي لم اعتدها بعد سنوات حياتي الأولى على الأقلّ؟ أم صوته المبحوح؟؟ أم إبهامه المبتور؟؟ الذي كثيرا ما حاولتُ معرفة السبب الكامن وراء بتر إبهامه! قد حدثتني صديقتي مرة, والتي يكون الأستاذ عمّها, أن باب السيارة قد أُغلق على إصبعه مرة بالخطأ, ولكنني لا أدري لما لم أصدقها حينها! ربما كان بسبب صغر سنّي وخوفي من معرفة الحقيقة.. أم أنه سبب آخر.. وحتى الآن لا أعرف السبب الحقيقي, ولا أسعى لذلك..!!

الإيمان بالقضاء والقدر!

لم يكن هدفي يومها التحقق من فهم هذه الجملة, بل كان هدفي هو أن لا أنسى أنها من أهم أركان الإيمان, ولا يصح الإيمان دونها!

ومضت الأيام, لا أذكر كيف مرّ الامتحان عليّ, ربما لم يُدرج هذا الموضوع في مادة الامتحان, أو ربما رسبتُ بها, أو... حقيقة.. لا أذكر!!

ومرّت الأوقات.. ونسيت تماما قضية الإيمان بالقضاء والقدر!

ولكني أذكر حديث أمي المتواصل عن القضاء والقدر, وخاصة عند موت أحد أقاربنا, أو عند حصول حادثة ما..

وانقضت الأعوام متتالية.. وكبرت في نفسي هذه الطفلة التي تملك شغف الغضب والبكاء. لا أدري السبب الحقيقي وراء ذلك, ولكني أتعبتُ أمي كثيرا في طفولتي, فقد كنتُ عنيدة جدا, وكنتُ سريعة الغضب, وقد حرمني الله من نعمة أن أكون حليمة, فلم استطع في يوم من الأيام التحكم والسيطرة على غضبي, مما كان يثير الكثير من المشاكل ويثير مضايقتي أحيانا كثيرة..وقد عُرِفتُ بالبكاء, ففي مرحلة ما في حياتي, اقترن اسمي بالبكاء.

نعم.. البكاء.. فطريقتي الوحيدة للتعبير عن حزني وغضبي, ليس دفع الباب بعنف, أو الصراخ المتواصل, بل هي طريقة, تنسيني آلامي, أحزاني وأوجاعي.. أذرف الدموع على ما مضى, وبعد برهة أو اثنتين, كأنه لم يحصل شيء! الدموع بالنسبة لي, كشلالات النعيم, تغسل شوائب القلوب, وغضب العيون, وتشعرني بالراحة والطمأنينة.

تتالت الفصول تاركة بصمات الحياة على جسدي وفي ذهني, مرّت سريعة جدا, كطائر الخطّاف. يقولون عندنا: "البنت بتكبر أسرع من الولد".

وازداد فضولي, وازدادت تطلعاتي.. وكبر معي حبّ البكاء –حتى مرحلة معينة, ومن ثم اختفى كأنه نقمة ولّت ضاربة بي عرض الحائط- وازداد تفوقي بالمدرسة وعلاماتي تنذر بولادة "ذكية" جديدة –كما كانوا يقولون-.

تعرفتُ على الكثير من الصديقات.. وأكثرهن تأثيرا على حياتي.. كانت اثنتان. "رناد" وصديقة أخرى تعرفت من خلالها على الكثير من الأشياء, هي من أيقظت في نفسي هوس القراءة, وهوس تعلم اللغة العبرية أكثر فأكثر, وهي كانت بالنسبة لي "مثال الصديقة".

رناد, صحبتني منذ صف البستان, وكنت على يقين –أجهل سببه- أنها صديقتي الوحيدة, والتي ستبقى كذلك لآخر العمر, ربما كان إلهام.. لا أعرف.. ولكنه قال لي ذلك.. وأكدّه!!!

أما "نتلي", فقد عشقتّ من خلالها القراءة, "سلسلة هاري بوتر على وجه الخصوص", ازدادت مهارتي ومعرفتي باللغة العبرية, التي حتى الصف السادس كنتُ جاهلة بها, بالرغم من كونها –في دولة إسرائيل التي اسكنها- أهم من اللغة العربية, وذاك موضوع آخر.

ولكن بفضلها, صرتُ أفقه العبرية كما لو كانت لغتي الأم, وأمي لا تزال تشكر الله على صداقتي إياها!

فكما تقول , لولا "نتلي" وتشجيعها إياكِ على القراءة باللغة العبرية, لما وصلتِ إلى هنا!

وبعد مضيّ أعوام.. تذكرتُ الإيمان بالقضاء والقدر!!

وأدركت حقا حقيقة القدر.. الذي أجمعني بفتاتان.. أحداهما صديقة العمر.

والأخرى.. شاءت الأقدار التلاعب بعلاقة غريبة من نوعها بيني وبينها.. فقد أيقنتُ جيّدا وبدأت أدرك أن نتلي ما كانت سوى فتاة يهودية "من أب عربي" وأنا.. فتاة عربية مسلمة بحتة!! وصداقتي بها.. سترى بدل النور.. أطيافا ملّونة كثيرة!!!!

((يتبع...))

نور
27\4\2009

ما هذا التشويق؟!

طريقة مميزة في الكتابة لا ينقصها البيان، تأسر القاريء، فلا يقدر الا ان يواصل الفراءة ،والله ان أدباء كباراً قضوا سني عمرهم العديدة ما بين القلم والورقة، لا يملكون ما تملكين من ملكة الكتابة الجذابة.

بانتظار الجزء الثاني

جهد مشكور

جعلتني أحلق بفضاء ذكرياتنا أيام الطفولة – مع أننا ما زلنا أطفال – لكن لتلك الأيام رائحة لا تُنسى.
وكيف أنسى تلك الأيام التي أمضيتها والابتسامة لم تُمحى عن ثغري ؟!
صديقتي..
ما زلتِ تذكرين الأستاذ محمود الذين علمنا الدين ؟! وأنا أيضا, كنت أخشى النظر لبنانه المبتور, وكلما سقط نظري على هذا البنان الغير الطبيعي شعرت بالقشعريرة تسير في جسدي !
ما برحت أذكر سلسلة دموعك الطفولية المستمرة , أتذكرين عندما كنت أقول لك شيئا لا يعجبك تغضبين مني ولا تكلميني لفترة وجيزة ومن ثم نتصالح !
أتذكرين الرسائل الخطية التي كنا نتبادلها كل يومين أو ثلاث, أتذكرين الساعات التي قضيناها معا في إصدار بحث لموضوع العلوم والعربية والانجليزية ..!
أتذكرين حبنا للمعلم حسن وكرهنا للمعلم رياض, وكم كنا نشتمه عندما كان يعطينا وظيفة بيتيه !
وطوت الحياة صفحاتها وانتقلنا للإعدادية وأعطينا للأيام حقها بالجنون..
ما أكثر جنونا تلك الأيام, أتذكرين دفاتر المذكرات التي كتبناها معاً.
كم كان لذيذ عنادك في تلك الفترة , وخاصة أيام الشتاء عندما كنتِ تأبين العودة للبيت من المدرسة بواسطة السيارة بل كنت تصممين على أن تعودي سيرا على الأقدام لأنك تعشقين المطر وتهوين المشي تحت السماء الماطرة , وكنت أخضع للأمر الواقع وأستسلم لعنادك وكنت أمشي معك تحت المطر وأصبح باليوم التالي مريضة بالزكـام!!!
أتذكرين المقالب التي فعلناها بالأساتذة وخاصة الأستاذ شادي , والمعلمة علمية ..؟!
وعندما كان المعلم يقع في الفخ الذي نصبناه , كنا نأخذ بالضحك لعدة أيام متتالية ههه , أتذكرين ندوات الشعر التي كنا نقيمها بالصف وأيضا المواضيع الإنشائية والمعلمة ختام كانت تمدحنا كثيرا على كتاباتنا !
ولا أنسى زياراتنا لمكتبة المدرسة, كانت زيارات مبالغ بها, ربما باليوم كنا نزورها لثلاث أو أربع مرات, وقد قرأنا كل الروايات المتواجدة في المدرسة..!
أتذكرين المسرحية التي قمنا بها يوم التخرج , مسرحية المأساة الفلسطينية , وكم كنا "نتمجنن" وقت التدريبات للمسرحية ووقت الكواليس !
ولا بد ذكر الأغاني التي كنا نؤلفها معا ونعزفها مع نتلي ونغنيها لبنات الصف ..!
استمر الجنون ثلاث سنوات وكل يوم كان يزداد ويزداد حتى يومنا هذا , لكنه هدأ قليلا ..
ذكريات كثيرة يصعب علي كتابتها, لكن أعدك أن نلتقي للنسج أجمل وأقسى ذكرياتنا كما اتفقنا.
رائـعة هي نتلي , علمتني كثيرا هذه الفتاة , كان جنونها أقل من جنوننا لكنها بالرغم من ذلك قد تأقلمت معنا , أحببت أيامي معها وعشقتها معكما .
صديقتان أمن الله بهما علي , فتلونت حياتي بأجمل وأدفئ الألوان ..
اشتقت لنتلي , وكم سعدت عندما التقيت بها آخر مرة – بعدما أصحبت يهودية – تغيرت عما كانت لكن معدنها ما زال طيب .
غريب أمرها الأيام كيف تسير بسرعة الضوء !
يا ليت الشباب يعود يوما, ونرجع لأيام الجنون والشغب..!
رائعة أنتِ يا صديقتي..!
أدامك ربي لي طول العمر, وأسأل الله أن يقدرني على إيفاء حقك..!
هذا قضائنا وقدرنا – الحمد لك يا ربي لأنك منحتني قدرا جميلا مع هذه الصديقة.
سردك غاية في التشويق والجمال ..
شــكـــرا عزيزتي .
ننتظر بشغف سردك التالي ..
دمت

جواز سفر.. رناد.. اشكر لكم المرور الذي اسعدني جدا وشجّعني

رناد: لكم ضحكت عندما قرأت ما كتبت.. هل لي أنسى كل ذلك؟؟

ادامكم الله

» قضاء وقدر (2), بقلم: نـور
» قضاء وقدر 3-بقلم :نور
» قضاء وقدر
» من المنفى سلام, بقلم:نـور
» قِمَمْ عَرَبيَّة, بقلم: نـور