قضاء وقدر (2), بقلم: نـور

(2)

تعرفتُ عليها عندما كنتُ في الصف الخامس ابتدائي. فتاة غريبة الأطوار, لا تنفك عن القراءة, وكأنها هواء تتنفسه وروح تتمسك بها كي لا تباغتها الحياة وتًلقي بها مهاوي الردى. وُلدتْ لأم يهودية وأب عربي –من نفس بلدتي-. عندما تراها لأول مرّة, قد يخطر ببالك أنها غير عربية, ولكن عندما تتحدث إليها, يتلاشى من مخيلتك أي شعور أو شك.

لهجتها, بل لنقل لغتها العربية على مستوى عال ٍ!! ولكنها كاليهود طبعا, تلفظ حرف الراء-غ. وعندما أتذكر لفظها, كثيرا ما كان يخطر ببالي إصرار زميلي في الصف دوما على أن تقوم بلفظ كلمة (غوريلا), -ولكنها كانت صديقة مقربة لهذا الزميل وكانت تعتبرها سخرية مهذبة-.

قامت والدتها بتسمية بناتها, أسماء تصلح لأن تكون عربية وأخرى يهودية. فهي مثلا, تُدعى "نتلي".

جمعتني بها الأقدار على حين غفلة, فقلبت حياتي رأسا على عقب. نزل بنا قضاء الله أن نكون "صديقات مقربات" بالرغم من الاختلاف بيننا, فهي يهودية بحتة وأنا عربية, هي غير متدينة مطلقا, وأنا وُلدتُ لعائلة إسلامية تماما. ولكننها تشابهنا بأمور صغيرة ولكن كثيرة.

في فترة معيّنة من حياتهم, لن تصدق ما حصل!!

والدها مسلم بالكنية فقط, كالكثيرين, لا يصلّي, ولا يقوم بأي من تعاليم الإسلام. ولكن والدتها بعد فترة طويلة من زواجهم, يدخل الإسلام قلبها فتتحجب وتصلي على غرار زوجها المسلم, حتى وصل بها الأمر أن طلبت من زوجها زيارة بيت الله الحرام لأداء العمرة.

بالطبع لم يوافق زوجها على ذلك! فهل من المعقول أن تأتي زوجتي اليهودية بعد ستة عشر عاما من الزواج لتفرض علي ما أفعل, ولتغير مبادئي ونمط حياتي؟؟ طبعا لا.. فلم تجد هذه الأم الدعم.. فخلعت الحجاب.. وازداد الأمر سوءا!

لم تكن طريقة لباس نتلي كاليهود مطلقا, فقد كانت مقبولة نسبة لبلدتي المحافظة –نوعا ما-, وكانت فتاة طبيعية غير أنها لم تكن من نفس ديني, وقد عُرفنا نحن الثلاثة –أنا ورناد ونتلي- بالثلاثي المرح, لم نترك بعضنا لحظة, ولكن بعد برهة من الزمن, غيرت الأقدار كل شيء!!

كنّا في الصف السابع أو الثامن, لا أذكر تماما, عندما كنا في درس الدين –لي الكثير من الذكريات مع دروس الدين-, وبالصدفة كان درسنا عبارة عن سورة من القرآن الكريم, لا أذكرها, تتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام, وعن المحظورات عليها, وما مسموح لها أن تفعل, كعدم رفع صوتها ولبس الحجاب.. . وكانت السورة مكتوبة على الكتاب, أي لم نقرأها من المصحف الشريف. أتدرون ما حصل؟؟ لا. لن تصدقوا.. ستلومونني كثيرا.. كثيرا جدا.. وربما بعضكم سيغير رأيه حولي.. ربما بعضكم سيكرهني, ربما لن تريدوا إكمال القراءة, ربما ستبغضونني وستبدؤون بجمع الأفكار حولي, ولكن.. أرجوكم!! لا تحكموا عليّ سريعا! هناك مواقف بحاجة لتبرير مهما كانت –مبررة-.. أرجوكم اقرءوا للنهاية!!

قامت "نتلي" بوضع "إكس" على سورة القرآن, وكتبت بالإنجليزية Rubbish أي "قمامة"!!!!!!!!.. هراء!!! باللون الأحمر!!!!

لم تأبه بمشاعري.. أتدرون.. لا أريدها أن تفعل! لقد قالت عن كلام الله تعالى أنه "قمـ.."!!! معاذ الله, أستغفرك ربّي..!!!!

وكأني غير مسلمة.. أو غير محجبة تجلس إلى جانبها وتعتبرها أقرب صديقاتها.. وطبعا بحجة حقوق المرأة التي هي كالسموم من العالم الغربي!

شعرتُ بغصّة في حلقي, وتملّكني إحساس بالمرارة, والاشمئزاز والبغض الشديد, والغضب!, كيف تسمح لنفسها؟ من هي حتى تصف كلام ربي تعالى هكذا؟ من هي؟ مجرد فتاة؟ بلا مشاعر! بلا قلب! بلا دين! فتاة زجّت بها الأقدار لأن تكون صديقتي؟؟؟

لكم كرهتها في تلك اللحظة! لكم تمنيت لو تنشق الأرض لتبتلعها وتبتلعني! أنا التي سكتّ!! أنا التي لم أمزقها إربا إرب! أنا التي من أجل "صداقتها" المشئومة لم أحرك ساكنا بيدي بل بقلبي فقط! هل كانت تقصد أن تريني ذلك؟ هل قصدت جرح مشاعري والسخرية من ديني؟؟ فلتذهب إلى الجحيم.. هذه الكافرة!! –قلتُ في نفسي-!!!!

انتهى الدرس,وظلّت معدتي تقلب وتتحدث وتطلق نير الغضب وشرارة الكره, اختليت بنفسي, ماذا سأفعل؟ حتّى رناد لم أخبرها! وأقسم لكم أني أجهل السبب,-حتى فترة معيّنة طبعا ومن ثم بحتُ بالكثير من مكنونات قلبي بعد أن بدأت تظهر أطياف الألوان في دربنا لتغيّر كل شيء-!!

لم أرَ بحياتي كلّها إنسان بهذا القدر من الكره والغباء والحقد! لم أرَ بحياتي كلّها إنسان يعتز بكفره!! عندما كانوا يسألونها: "هل تصلّي؟" كانت تجيب: "الحمد لله.. لا!!"!!!!! عندما كانوا يسألونها: "ما هو دينك؟ هل أنت مسلمة؟ هل أنت مؤمنة؟" كانت تقول: "الإيمان بالقلب لا بالصلاة والصوم!!"!!!! في شهر رمضان كانت تشرب الماء أمامنا! لم تكن تشعر!! أكانت كارهة لهذا الحد دون شعور منّي؟؟؟!!!!!

لا أدري كيف استمرت صداقتنا بل تطورت! ولكنها أقسم لكم.. لم تغيّر بقلبي شيء! ولا ذرّة!!

في تلك الفترة لم أكن ؟أشعر بوطنية ما.. لم أكن أعرف الكثير عن الوطن.. فلسطين.. أرض احتلال.. كنتُ أعرف أني أكره اليهود.. ليس لأنهم يهود, فديننا لم يعلّمنا ذلك, بل بسبب أفعالهم.. ولكن حتّى تلك اللحظة, كانت معرفتي بأصلي ووطني مدفونة بأعماقي! ودهشتُ عندما شاء القدر أن تتفجر حمم البراكين الثائرة في قلبي على حين غفلة منّي! لتقلب حياتي رأسا على عقب, لتغير شخصي وروتيني! وكأني ولدتُ من جديد! وكأنه صارت لحياتي معنى, وكأني أدركتُ حقّا لمن أعيش, وأدركتُ أن القدر أرادني أن أكون وأهلي وجيراني محتلّون وغرباء في أرضنا, مضطهدون, وشاءت الأقدار أن ولدتُ فلسطينية, عربية مسلمة, فلسطينية.. تعشق الزعتر ورائحة الأرض.. تعشق الريحان والزيتون, تعشق درويش وتميم.. تعشق فلسطين بكل ما فيها!

وصارت صداقتي بنتلي مغامرة سأحياها, وسأسرد لكم الكثير من المواقف التي شاءت الأقدار أن تضعنا بها, أنا الفلسطينية العربية المسلمة وهي الإسرائيلية اليهودية! مواقف من قضاء الله وقدره لن أنساها ما حييت! وكم أودّ مشاركتكم إياها!! مواقف وطنية وأخرى دينية, بل مغامرات, أو .. ربما.. انتقامات.. سمّوها ما شئتم.. ولكنّي.. وبفعل القدر... بدأت أثور..!

(يتبع...)

نور
28\4\2009

[/b]

[/size]

قصه رائعه ومغامره شيقه
في إنتظار البقيه عزيزتي

لدي تعليق بسيط على قولك : وبالصدفة كان درسنا عبارة عن سورة من القرآن الكريم, لا أذكرها, تتحدث عن أن صوت المرأة عورة, وأنه فرض عليها لبس الحجاب وتغطية جسدها لأن جسدها عورة

فصوت المرأه ليست بعوره وقد سئل الشيخ صالح المنجد في ذالك فأجاب
هل صحيح ما يقال بأن صوت المرأة عورة ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :

ليس صوت المرأة عورة بإطلاق , فإن النساء كن يشتكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويسألنه عن شئون الإسلام , ويفعلن ذلك مع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وولاة الأمور بعدهم , ويسلمن على الأجانب ويردون السلام , ولم ينكر ذلك عليهن أحد من أئمة الإسلام , ولكن لا يجوز لها أن تتكسر في الكلام , ولا تخضع في القول , لقول تعالى : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ) الأحزاب/32 لأن ذلك يغري بها الرجال ويكون فتنة لهم كما دلت عليه الآية المذكورة . وبالله التوفيق .ا.هـ .

قضاء وقدر، ونثر درر، وتشويق لذيذ، لا تعليق يصلح هنا، بل صمت وصبر، وانتظار لم ستجودين به علينا، ولم ستعزفه أناملك، من وقع القلم، ومن شدو السطور، وكأني بك تكتبين تجاربك، كخبير مجرب، وحكيم معمّر، فمن يجهلك يحسبك جاوزت من العمر عتيا، ومن يعرفك يدهش لهذا البيان الساحر في هذا السن الباكر.

أوافق ملكة القلوب في التعليق، فصوت المرأة لا يعقل أن يكون عورة، لأن ذلك يعني ان لا تتحدث المرأة لغريب، أي ان لا تستطيع ان تذهب للسوق لشراء حاجياتها الخاصة مثلا لانها لن تستطيع التكلم مع البائع، أو ان لا تستطيع التكلم مع المعلم في المدرسة، أو ان لا تستطيع ان تعرض مشكلتها على المسؤول حتى يجد حلا لها، او ان لا تستطيع ان تدافع عن حقوقها امام اي كان وفي اي ظرف كان... ولكن الفكرة والصورة التي اردت انت ان توضحيها وصلت بوضوح، وما كتبته ليس نقدا لموضوعك على الاطلاق، بل رأي في موضوع صوت المرأة ، وللاسف لم اجد له مكانا الا هنا فعذرا...

نـــور صديقتي...واسفاه على ذلك التصرف الذي صدر منها , يا صديقتي ليتك أخبرتني بما فعلت بالقرآن في ذالك الآن لقتلتها وجعلتها تبكي وتندم على ما فعلت..! كيف لها أن تتعدى على كلام الله ..
تلك الكافرة المتسلطة التي تحسب نفسها شيئا مشرف..!
ألم تعتذر لك ؟! ألم تشعر لو بالقليل من الخجل من تصرفها المخزي هذا ..! أين احترامها واجلالها لكتب الله السماوية؟!
أي قلب تمتلك هذه الغريبة...
يا صديقتي لا تنسي أن امها يهودية , وتصرافتها يهودية , وأفكارها يهودية ,, فماذا تتوقعين من فتاة كهذه..؟!
لا تغضبي يا صديقتي فالله لا ينسى أحداً , وهو الذي سيحاسبها على فعلتها هذه..!
أتذكرين عندما كانت تشرب الماء في رمضان ..تلك عديمة الحياء والمراعاة للشعور ...!
في فترة من الفترات كنت مثلك تماما لا أشعر بالوطنية والانتماء للوطن .. لا أشعر مع الاخوة في فلسطين , فتلك الفتاة قامت "بغسل دماغي" وأنستني وطني وديني وأصلي .. لكن حمدا لله أنني خرجت من هذا المأزق دون الوقوع بكارثة ..!
عذرا وطني .. أستغفرك ربــي.. اليوم انا لاجئة لك مستغيثة طالبة السماح منك..
من خلال معاشرتي لهذه البنت تعلمت أمورا كثيرة في الحياة , تعلمت الحذر من هؤلاء الناس الذين يحسبون أنفسهم مهمين ومنجزين وصالحين للمجتمع .. لكن هيهات منهم ومن أفكارهم...
كانت في البداية فتاة رائعة مثالية.. لكنها كُشفت على حقيقتها .. حقيقة مخزية ومؤسفة..!
لا بأس عزيزتي نور .. فالتجربة تمنحك الخبرة .. لا ريب إن أخطئنا مرة ولا عار في ذلك إنما العار أن نقع في الخطأ مرة أخـرى...!كــنا ثلاثي مرح .. واليوم ثنائي مرح..
ادامك ربي لي يا صديقتي..
رائع كلامك .. مشوق لدرجة الفضول الشديد...لذيذة كلماتك للثمالة...
وأتفق مع جواز سفر أن لا تعليق يصلح هنا بل صبر وصمت وانتظار لم ستجودين به علينا..
أنــتــظر سردك بشغف وفضول ..
دُمـــت

أصدقائي الأعزاء..
أولا شكرا جزيلا لكم على هذه الردود الرائعة..

شكرا لكما ملكة القلوب وجواز سفر على هذه المعلومات وهذا التصحيح, ربما أخطأت في التعبير..
أفدتماني كثيرا, ولم يخطر ببالي مرة أن أبحث حقا في هذا الموضوع, كنتُ أعلم, أنه عيب على المرأة رفع صوتها, هذا ما قصدت, طبعا صوتها بشكل عام ليس عورة,, فكيف نتكلم نحن اذا؟؟!
ولكن لكثرة هذه الأقاويل التي تسمعها هنا وهناك, أصبحنا لا نفرق الخطأ من الصح, ولكني طبعا أخطأت بعدم بحث هذا الموضوع, أنا آسفة..

رناد صديقتي: معك كل الحق, كنتُ أشعر أن اسرائيل تجلس الى جانبي في الصف!!!!

شكرا لكم مجددا!!!

» قضاء وقدر (1), بقلم: نـور
» قضاء وقدر 3-بقلم :نور
» قضاء وقدر
» قِمَمْ عَرَبيَّة, بقلم: نـور
» من المنفى سلام, بقلم:نـور