خربــشــات 4 - بقلم :ر نـــاد

لقــاء بعد الفراق..

اليوم رأيتها..

بعدما انقضت سنتين على فراقنـا..!

وبعدما أمضيت ثلاث أيام ألحُّ على والدي ليأخذني إليهـا..

" أرجوك يا أبي خُذني إليها.. لدي الكثير لأقوله لـهـا.. الكثير الكثير..

قد تقتُ لملامحها الغيداء , اشتقتُ لشمسها وأرضها وأريجها..

سألتك بالله يا أبي لأن نزورهـا.."

وافق أبي بعدما غرست في دماغه شجرة الإلحاح, وقد تراقص قلبي طربا وفرحا لزيارتها.

كان ذلك في عطلة الربيع..

أشرقت الشمس ناسجة خيوطها على صفحات السماء الزرقاء, استيقظت باكرا على غير عادتي وحمم الشوق تتطاير من مقلتي, أيقظت جميع أفراد عائلتي, حضرنا انفسنا, وانطلقنا لزيارتها..

أذكر أن آخر مرة زرتها فيها كانت نهار عيد الأضحى قبل سنتين..وأذكر أنني حاولت زيارتها في العام الماضي لكن قوبلت بخيبة ولم أكسب رؤيتها !

واليوم أعيد زيارتها من جديد, أعيد زيارتها مع روح جديدة, مع آمال وأحلام شاهقة, مع ذاتي الناضجة عقليا وتمردي المتزايد..وثورتي النامية..!

في طريقي إليها لم تفارقني الابتسامة, ولم تنفك عينيّ عن تأمل تضاريس الطريق إليها :الطبيعة الخلابة, أشجار الزيتون الصامدة, التراب المرتوي مياهً ودماءً, جعلتني أتساءل بأي نعوت أنعتها..؟ وأي لغة وكلمات وحروف تصفها..؟! وأعترف أنني لست بتلك الشاعرة الماهرة لتصف روض من أجمل رياض الدنيا, لكني أملك قلبا يحويها لا يعبر عنه شعر أو نثر..! وحتما سيأتي يوما سأفوق الشعراء بحب وقر في قلبي وسأنظم من يراعي كلمات تصف هذه الأرض الطاهرة , وإن كان ذلك مستحيلا فسأحاول جاهدة إيفاء بعضه..!

كلما اقتربنا من الوصل كلما تسارعت دقات قلبي ..

وصلنا إلى جنة على الأرض, وصلنا إلى الأم الصامدة التي يفخر ويعتز بها أبنائها.. وصلنا الى بلدتي وبيتي , وصلنا إلى طــولــكــرم !

قبل دخولنا للبلدة كان هناك نقطة تفتيش , معبر يجب الدخول من خلاله كي أدخل لوطني وبلادي وأرضي!

أوقف أبي السيارة مقابل الجندي الإسرائيلي الذي يبلغ من العمر عشرين عاما , طلب الجندي بطاقات الهوية من أبي وأمي , ونظر للخلف ليجدني جالسة غاضبة عليه وقد امتقع وجهي وثارت حفيظتي ..!

سألني باللغة العبرية – " هل تملكين هوية؟"

أجبته باللغة ذاتها – " لا أملك هوية, فأنا من تحت الجيل..!"

وفي الحقيقة أنا أملك هوية , لكني آثرتُ الكذب على هذه الجندي على أن أدخل لبلادي ووطني وبيتي بواسطة هوية طاغية .. وإن الله غفور رحيم..!

ابتسم أبي , وتعجبت أمي ورمقتني بنظرة غاضبة لأنها تعلم أنني أملك هوية وتعلم أن هويتي موجودة في حقيبتي الموجودة على طرف مقعد السيارة , وأنا على يقين أن نبضات أمي تزايدت حينما سمعت مني هذا الكلام , لأنها تعلم علم اليقين أن كهذه المجازفات في هذه الدولة تؤدي الى الهلاك , وقد خشيت علي من عقوبات قاسية بحالة الشك وتفتيش حقيبتي من قِبل الجندي , لكن غباء وجهل هذا الجندي كانا أقوى من سرعة بديهته , فقد صدق أنني لا أملك هوية ..!! وعبرنا المعبر بســلام.

يــتــبــــع...!

الغالية رناد:
منذ متى لم أزر طولكرم!!!!! انت منذ سنتين؟؟ انا منذ الطفولة!!!!
هل تصدقين؟؟؟ منذ ست سنوات على الاقل لم أزر مدينة كانت أقرب إليّ من ريح الخريف!! زرتها بالعيد الأخير, عند عمّتي, ولكني لم أدخل لبّها كما كنتُ أفعل عندما كنتُ صغيرة!!
كم اشتقتُ اليها!!!!
ياااه رناد!! تشويقات ليس لها مثيل.. وكلمات وتعبيرات تفوق حدود المنطق والخيال!!
تذهلينني مرة بعد مرة يا صديقتي!! نثر مثل درر تلمع في ليلة يأفل بها بصيص القمر.. لتخطّي سطرك على السما فتنير الدجى وتحيله عرسا سماويا اسطوريا جميلا!!!!!

ومشاكساتك مع ذلك الجندي الاسرائيلي أعجبتني!! هو ساذج وغبي, ظنك تحت الجيل.. ولا أظن الناظر اليك يظنّ ذلك.. ولكن اختلطت عليهم الأمور منذ عهد فلم يعودوا يفرقوا بين الكبير والصغير!!

انتظر مثرك القادم.. أسرعي.. دمتِ بخير!!

غاليــتي نـــور :
عندما وعيتُ على نفسي وبدأت أشعر بفقدان وضياع الوطن علمت أني فتاة ضعيفة , بائسة لا تقوى على احتمال أكثر مما لا تُطيق من الآلام والمعاناة , لذلك اتنقل في بلادي بين الفترة واختها , لذلك أكتب لان كل ذرة رمل في هذا الوطن تستحق أن نكتب لها , لذلك أدرج مشاعري المترجمة في هذا المنتدى الرائع لعل ردودكم تخفف بعض الشيء من اللوعة المتأججة في قلبي .
صدقيني يا صديقة أنه سياتي اليوم وستزورين طولكرم صباحا وعشية وستُمحى تلك الحدود الجائرة التي تفصل بيننا..

مشاكساتي مع ذلك الذي لا يُسمى كانت نابعة من غضب وقهر, بالفعل هو ساذج وغبي ويفزع منا
كما قال تميم
"ستون عاما ما بكم خجل الموت فينا وفيكم الفزع"!
ردك عذب , بريُ كالطفل الباكي الذي يتوق لحنان امه أو لنشيد المهد .
ردك كالامطار المُنهلة من المُزن يُبشر بالخير والحياة.
دُمتِ يا عزيزتي
شكرا لك

طولكرم مدينة تستحق منا ان نغرم بها...
فهي تذكرنا ان الجمال يكمن في النقص مثلما يكون في الكمال...
فعلى صغرها وبساطتها، تعبق براءة وعفوية، فهي المدينة الطفلة، بيوت بسيطة تختلط بالاشجار والبساتين، شوارع ضيقة تنحني وتتمايل لتتجنب بيتا هنا اوشجرة هناك، اسواق صغير مكتظة، وعربات متقاربة، واصوات متداخلة، تعطيك شعورا ان المدينة بأسرها هيى عائلة واحدة كبيرة.

أبدعت وصفا، واحسنت تشبيها واخراجا للنص، بدايته مشوقة ونهايته تزرع فينا التساؤل العفوي، والحزن المكبوت، والامل الحاضر ، ان الحدود حتما ستزول
ذلك هو الامل الذي نعيش عليه، ونعيش به، فلولا الامل لفقدت الحياة قيمتها.

جهد يذكر فيشكر، وبانتظار شديد للمزيد

العزيز جواز سفر..
أوصافك عذبة تغمرنا بالنشوة كروح الحب التي تدبُ في أعضائي دبيبَ ألحُميّا في وجه شاربها..
أوصافك تُطفئ زفرات اليأس التي تسكنني.. فتُنير برقع الليل الطويل..
طولكرم وغيرها من البلاد التي تقع خارج الخط الأخضر أصبحت بالنسبة لبعضنا كحلم من أحلام الصبا قد عفت آثاره الأيام والأعوام.. وهذه حقيقة لا أكتمك بها .. لكن هذه الحلم سيعود من جديد مع آمال متضاعفة ,وسيتحقق هذا الحلم ,وسنجيب كل البلاد في وطننا بإذن الله.
جميل أنتَ يا ابن أمـي.. يا نسيم عليل يريح القلوب الواجمة.
شكرا على ردك الرائع.
دُمتَ بودّ.

» خربــشــات *5* - بقلم :ر نـــاد
» خربــشــات *3* - بقلم :رنـــاد
» خربــشــات عــشــوائــيــة .. بقلم : رنــاد
» خربــشــات عــشــوائــيــة *2* .. بقلم : رنــاد
» بيت عزاء, بقلم: نور

خربــشــات *4* - بقلم :ر نـــاد

خربــشــات 4 - بقلم :ر نـــاد