عام 1991 جاءنا خبر استشهادهِ، قام الموساد الإسرائيلي بإسقاط طائرته العائدة من الصومال إلى مكانٍ آمنٍ ..
سرقوا الإبتسامات من على شفاهنا، واغتالوا طفولتي .. لروحه الطاهرة أهدي هذا النصّ الأوّل منذ عرفتُ الشعر .. حاولتُ مراراً أن أكتب له .. إلا أنّ الحروف كانت دائماً تذوبُ على الورق ..
(1)
منذ ثمانية أعوامٍ
أو أكثر
لا تلمني يا حبيبُ
فمن فرطِ مصائبي
ما عدتُ أذكر
كانت الأيّامُ أقربُ للسعادة
والعمرُ أطول..
منذ أن شاء الإله رحيلنا
عن بعضنا ..
عن ذكرياتٍ لم تزل في خاطري
لم تزل وكأنّ أيارَ في فؤادي كان يحفر
ما زلتُ أذكر التبغ الفرنسيّ
قمصانَ السفاري .. والعطور ..
ما زلتُ أذكر يا حبيبُ
كيفَ جاء الموتُ مسرعاً
كي يكسر الغصن البريء
بعد أن كانَ أخضر ..
وهذه أمّي وفت بالعهد والحبّ القديم
وبنت من الحزنِ في قلبي أفراحاً ..
وغدوتُ يا والدي الآن أكبَر
(2)
أمّي
تبلّغكَ السلامَ بعد كلّ قراءة لكتابِ ربّي
وتهديكَ الدعاء .. ثمّ تبكي ..
وكعادتي بشقاوةٍ يا والدي أدنو إليها ممازحاً :
يا أمّنا ما كلّ هذا الحبّ للراحلينَ بلا وداع ..!
هل حبّنا أمّاهُ أماَم وفائكم .. حبٌ أم هراء ..!
ولا تجبني .. إذ بشريعة القدماء الحبّ صمتٌ
الحبّ تضحيةٌ وعطاء ..
والحبّ ليسَ تعابير الحروفِ كما عرفنا ..
إنّما ظلُّ ملائكةٍ في قلوب الأوفياء ..
(3)
أنا في غربتي منذ عامينِ ونصفِ عام ..
لا أعرفُ الأصدقاء
ولا أبالي كيفَ يوقظني الحمام
أسرقُ من ذكرياتي موعداً على السحب العائدة ..
وأنفثُ الحزنَ في دخان سكائري ..
وأقترفُ حيناً بعد حينٍ .. بعض الكلام ..
(4)
أشتاقُ للدمعِ فوقَ كفِّكَ اليُمنى
ولصفعةٍ أبويّةٍ تُسقِطُ جهليَ المفرط ..
أحتاجُ أن أصارحك باسمِ حبيبتي ..
فلقد كبرتُ يا والدي .. وأحبّ أنثى
نعم ..
وأسهرُ طولَ الليلِ أرقبُ ظلّها خلف نوافذ بيتها..
وأدسّ قصائدي البلهاءَ في دفتر درسها ..
أتذكرُ والدي ..؟!!
كنتُ ذاتَ يومٍ شقياً ..
لكنني اليومَ أشقى ..
21 - 5 - 2009