(الأبيض الثلجي)
بَياضٌ مخيفٌ ، ليسَ بَياضَ الضِّياءِ ، ليسَ البراءة ، ليسَ السلام ،
أرْهبَ مني الحروفَ ، أضَاع مني الكلام ،
وقفتُ ، وَقعَ القلمُ وارتجفَ البنان ،
أرْفعُهُ ، أكتبْ . "
ما أنا بكاتِب " ،
أكتبْ لِتذيبَ الجليدَ ، أكتبْ لِينحَصرَ البَياضُ ،
أكتبْ لِيعمَّ الربيعُ ، أكتبْ لِيعودَ الكلام ،
هَزمتَ بيضَ الهندِ ، وبك قدْ عَلِمَ الأنام ،
أكتبْ ...
"
سأكتب حين ينهزم البَياض ... "
أيّها الأبيضُ المستطيلُ ،
أيّها الأبيضُ الثلجيُّ ، وسَقفهُ سُود الغمَام ،
اليومَ انتهى عمري الشتاءُ ،
اليوم انتهى عمري السُّباتُ ،
لنْ تزَّاوَر الشمسُ عن باب غَاري ،
بل سَتدْخُله لِتذيبَ الدَّوَاة ،
هَذِي الزُّهورُ أشْراطُ فناءِ البَياضِ ،
هذي الزُّهور جَيْشِي الكلام ...
أيّها القلم ،
إنّ وَحْشي الأبيضَ الثلجيَّ ما عادَ وَحشاً ! ،
وجيْشي قويٌّ كثيرٌ عتيدٌ ،
أيّها القلم ،
إنّ وحْشِيَ الأبيضَ أبيضُ العينين !،
لقدْ وُلِد أبيضَ العينين ،
لم يرَ مِن الطيْفِ لوناً ، لمْ يرَ لوْن الكلام ،
اليومَ أفهَمُهُ ، واليومَ يفهَمُنِي ،
سَأمْسَحُ بَياضَ عَيْنيهِ لِيَعودَ البَصَر ،
قال الأبيضُ على خجلٍ :
"
ليْسَ يُمْكِنُنِي أنْ أحْمِلك ،
فهذي زوايَايَ ، هذي حُدُودِي " ،
تبَسّمتُ ، وابْتسمَ القلمُ ،
يا صَاحِبي ليسَتْ حُدُودُكَ هذي حُدُوداً ،
وليْسَتْ تحُدُّ الوُرودَ حُدُودٌ ...
يا قلم ،
اختصِر الجيشَ بَاقة وَرْدٍ تخْتصِرُ الرّبيعَ ،
ولا تكتب ،
ارْسم صُوَراً تحْمِلُ صُوراً ولوِّنها بألوَان الزُّهُور،
ليْسَ الأسْودُ شراً ، وليْسَ نقِيضَ البَيَاض ،
هُمَا وجْهَا عُمْلةٍ ، حَدَّا كُل لونٍ ، هُما أرضٌ سماء ،
لِيَتحِد الخَيَّرَان ، هذا الحكيمُ وهذا النقاءُ ،
بِهمَا سَأمْزُجُ كُلّ لوْنٍ ، بهمَا سَأكسِر كلّ حَدٍ ،
بهمَا سأدخُلُ كلّ أرضٍ ، بهمَا سَأكتُبُ كلّ شِعْرٍ ، ...
أيّها الأبيضُ ما أجملك ! ،
أيها القلم ما أجملك ! ،
اليوم عَاد المُحِب إلى حِبِّهِ ،
اليوم يُكسِيهِ الرّدَاء ،
اليوم يَكتملُ الشفاء ،
اليوم يُكحِّله بسود الدّماء،
انزف لِلحِبِّي قصيداً ،
انْزِفْ لِلحِبِّي غِنَاء ...
( الملاح 11_06_2010 )