هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
https://she3r.alafdal.net/h1-page

 

 تحت لوح من رخام

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ليلكة الجليل
مبدع نشيط
مبدع نشيط
ليلكة الجليل


انثى
عدد المساهمات : 71
العمر : 31
الموقع : الامارات - دبي
العمل/الترفيه : طالبة ...
نقاط : 5693
تاريخ التسجيل : 14/07/2009

تحت لوح من رخام Empty
مُساهمةموضوع: تحت لوح من رخام   تحت لوح من رخام Icon_minitimeالإثنين يوليو 12, 2010 9:49 pm

..... ذات فجر صيفي رتيب , و حيث كانت الشمس تتأهب لاطلاق سهام أشعتها عن قوس الأفق , لتمزق ثوب حداد السماء , و البنفسج و الزنبق و الليلك قرب نافذتي كن يغتسلن بقطرات الندى استقبالا ليوم جديد , و العصافير و بأصوات رقيقة كانت تعد حناجرها للنشيد , من هذه اللوحة الربانية البديعة , هب النسيم معطرا بأنفاس الفجر الأولى , و أيقظني من نومي بحنو , فنهضت على عجل و طويت بطانيتي و نفضت وسادتي , و لم يكن من عادتي الاستيقاظ في العطلة الصيفية في هكذا وقت لغير أداء صلاة الفجر , و لكن اليوم كان مختلفا .

........ توجهت الى الحائط الذي كنت أعلق عليه التقويم السنوي قلبت بعض وريقاته الأحد , الاثنين , الثلاثاء , نعم انه الثلاثاء الموافق للخامس و العشرين من أغسطس , و كنت قد وضعت علامة فارقة على تلك الصفحة , اذ كنت أنوي زيارة قلعة صيدا البحرية و كان والدي متفرغا من مشاغله في ذلك اليوم , توجهت من فوري لايقاظ أخي الأصغر , ثم انصرفت من بعد ذلك لأعد نفسي للخروج , و ما هي الا سويعات قليلة حتى فرغنا جميعا , و أخذ كل منا مكانه في السيارة , " لم في هذا الوقت المبكر يا أبي ؟ " سألت والدي و هو منشغل بتعديل مرآة الرؤية الأمامية للسيارة , فأتت اجابته هادئة " أحب زيارة الغالين صباحا " , ابتسمت و كنت أعلم أن " الغالين " وصف كان يخص به والدي الشهداء في مقبرة صيدا , كانت الطريق طويلة بعض الشيء , الا أن جمال الجنوب اللبناني اللذي يتراءى من خلف زجاج النافذة كان آسرا , ينسي المرء احساسه بمضي الساعات , و عندما وصلنا الى قلب صيدا , حيث يشرف قصر الشهداء على وسط السوق و يتكئ جانبه الخلفي الى البحر الأزرق , كنت أسميه قصرا لأنني لم أجد فيه شيئا من صفة المقابر , الناس يدخلون و يخرجون , عربات متنقلة , باعة و تجار و أطفال يلعبون حوله , و قد تفلت الكرة منهم سهوا و تستقر بين الشواهد الرخامية فيخال للمرء أن الشهداء أحياء بين الناس يشاركونهم تفاصيل أيامهم , و أن بين الموت و الحياة علاقة تكامالية لا تنافر فيها و لا تضاد .

...... دخلت و والدي من البوابة , و كان صوت الناس و ضجيجهم في الخارج بفقد المكان شيئا من رهبته , مشينا طويلا بين القبور , و كانت تستوقفني بين الحين و الآخر صور بعض الشهداء التي تتوسط أكاليل الزهور على قبورهم , خصوصا أولئك اللذين يقاربوننا سنا , من من لم يمهلهم القدر كثيرا , ليعيشوا تجربتهم و يؤدوا رسالتهم في هذه الحياة , و كان والدي كثيرا ما يتوقف ليقرأ الفاتحة على روح أحدهم , تارة يخبرني أنه أستاذ التاريخ في مدرسته الاعدادية , و تارة بائع الكرز الذي كان يتوقف و أصدقاءه ليبتاع من عربته الخشبية الهزيلة , و تارة زميله الذي كان بارعا في لعب الكرات الزجاجية , " استطاع الحيازة على جميعا كراتنا " قال أبي مبتسما , فراق الأمر أخي الصغير و سأل : ماذا فعل بها ؟ , أجاب هذه المرة أبي بنبرة حزينة : أخذها و رحل , طال بنا المسير حتى شارفنا على الوصول الى نهاية الركن الخلفي من المقبرة كان صوت الناس قد خفت كثيرا و طغى عليه صوت تلاوة خاشعة للقرآن , توقف أبي عند الشاهد المنشود و أرهق عليه كثيرا من الماء , و ساعدته و أخي في ازالة طبقات التراب المتراكمة , و كنت كلما أزحت التراب بيدي تراءى لي اسم جديد منقوش عميقا في الرخام , لم أدقق كثيرا في الأسماء قرأت الفاتحة ثم غبت لأغسل يدي , نظرت الى الساعة و كان الوقت عصرا فشعرت بالضيق لأننا تأخرنا , رأيت أبي من بعيد و كان لا يزال واقفا مكانه يحرك شفتيه , تساءلت في نفسي ان كانت قراءة الفاتحة تستغرق كل ذلك الوقت ؟! , فحدثت نفسي بالذهاب اليه و استعجاله , ركضت بكل ما بوسع قدمي أن تنفرجا الى حيث كان واقفا ثم أبطأت في مشيي و أتأدت في خطواتي عندما دنوت منه أكثر , كدت أن أقول " هيا يا والدي " و لكن .... و قبل أن أنبس ببنت شفه رأيت أمامي مشهدا مذهلا , تسمرت في مكاني , و اختنقت الحروف في حلقي ,لم أكن أتمنى أبدا أن يأتي اليوم الذي أرى فيه الدموع تشق طريقها على خدي أبي , كانت المرة الأولى التي أرى فيها والدي يبكي و يخاطب الرخام : " هيفاء أختي أتيت لأزورك , والدي غبت طويلا لكنني لم أنسك أتيت لأزورك مع أبنائي أتمنى لو تراهم , خالتي سامحيني كان علي أن أمنعك من العودة للمخيم , رائد حبيبي لماذا اختارك الصاروخ دوني , كنا دائما سوية " نظرت الى حيث كان والدي يحدق , و شعرت و كأنها المرة الأولى التي أقرأ فيها الأسماء .. المرة الأولى التي أقرأ فيها الحدث و التاريخ , قلبت عيني بين شاهد الرخام و بين البحر من خلف قضبان السور الحديدي , كان ارتطام الموج بصخور البحر يعزف لحنا جنائزيا للشمس القرمزية التي كانت تنحل ببطء في حمرة الأفق , سرت في جسدي رعشة غريبة و أطرقت أفكر : ان بشرا و أحلاما و ذكريات و طموحات و مستقبلا محصور في هذه القبور لا باعد بيننا و بينه سوى هذا التراب الساكن و الرخام البارد , كدنا ننساهم و كادت ذكراهم تغور بعيدا في الماضي كما غارت أجسادهم و عظامهم المحطمة عميقا في التراب , مجددا نظرت الى جميع القبور البيض التي تصطف على طول المقبرة و شعرت بأن علي واجبا تجاه كل من فيها , أحلامهم البريئة و حقوقهم المسلوبة ترزح فوق أكتافنا , و تتعلق أمانة في أعناقنا , و الانتقام من من كان سببا في غرس تلك الشواهد في الأرض عهد على كل حي منا , و دين مهما طال بنا العمر لا شك مأدوه ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أطلال
مميزه
مميزه
أطلال


انثى
عدد المساهمات : 193
العمر : 37
الموقع : لبنان
العمل/الترفيه : طالبة جامعية
نقاط : 5613
تاريخ التسجيل : 12/02/2010

تحت لوح من رخام Empty
مُساهمةموضوع: رد: تحت لوح من رخام   تحت لوح من رخام Icon_minitimeالأربعاء يوليو 14, 2010 6:58 pm

تموت الشمس مجبورة ..


تكابر ..

تود الرجوع..


وتعطي الناس من نورها ..


هذا حالنا نحن مع من نحب في حال غيابهم وبعدهم عنا ..

عزيزتي .. جعلتي القارئ ينجذب اليك لدرجة يخيل اليه أنه كان معك في نفس ذلك المكان رائع ياكاتبة المستقبل تحت لوح من رخام Icon_king

دمتي شمسا تمدنا بنورها ولكن لاتغيب أبدا.. تحت لوح من رخام Icon_sunny
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ليلكة الجليل
مبدع نشيط
مبدع نشيط
ليلكة الجليل


انثى
عدد المساهمات : 71
العمر : 31
الموقع : الامارات - دبي
العمل/الترفيه : طالبة ...
نقاط : 5693
تاريخ التسجيل : 14/07/2009

تحت لوح من رخام Empty
مُساهمةموضوع: رد: تحت لوح من رخام   تحت لوح من رخام Icon_minitimeالأربعاء يوليو 14, 2010 8:54 pm

غاليتي أطلال ... أنرت بكلماتك الرقيقة .. خاطرتي المتواضعة ...
أشكرك ألفا ... دمت زهرة تفوح عطرا لا يخبو و تبوح لونا لا يذبل ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
RiNaD
عضو مجلس الإداره
عضو مجلس الإداره
RiNaD


نقاط التميز : +200
انثى
عدد المساهمات : 860
العمر : 31
الموقع : ~ وَطَنْ مَسـْلوب ~
العمل/الترفيه : طــالبة
المزاج : ~ نَقْش ألْحروفْ ~
نقاط : 6647
تاريخ التسجيل : 25/01/2009

تحت لوح من رخام Empty
مُساهمةموضوع: رد: تحت لوح من رخام   تحت لوح من رخام Icon_minitimeالجمعة يوليو 16, 2010 4:14 pm

عزيزتي ليلكة الجليل ,
بين عينيكِ وقلبكِ..
أسراب طيور مهاجرة..
بين ما تشي به دمعتكِ..وهمستكِ..
ألفُ علامة إستفهام حائرة..!!
مابين صمتك وهذيانكِ..
عمق ..ليل ٍ طويل..
وبصيص نجوم غائرة..
إحتضنتها تحت عبائتها السماء..
هزمها ضوء الفجرِ..
بلّ هزمها بيّاض الورقةِ
كم رائعٌ انسكاب حبركِ
على براءة البياض
ليُشكلا معاً نصّاً بادخاً
أتدركين كم أحببتُ حرفكـِ هنا !
إلهي ...
راودتني الكثير من الذكريات خلال تجوّلي بين هذه الكلمات !
زياراتي لقبور الشهداء .. !
مشاعر تترفّع عن الوصف .
صديقتي ..
لا تيأسي إنْ أوّرقَ‬الحزن بقلبك أكثر،
فأورق معه الشوقُ للوطن أكثر،
أو أورق العذاب أضعافاً كلّما زاد مركب مَـن تحبّين ابتعاداً،
فمَن يدري ؟! قد تعود رسائلُ قلبك بالمركب الغائب من جديد،
وإن لم تعدْ، فيكفيكِ أنكِ تملكين قلبا صادقا وروحا طاهرة ..!
أصدقكِ .. أننا سـ نكون يوماً ما نريد !
تحيـة خضّبت راحتيْها بالحنّاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تحت لوح من رخام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ابـــــداعــــــــاتـــــــنــــــــا :: خواطر الأعضاء-
انتقل الى: