جريمـــة احتـــرافيـــة بامتيـــاز - خاطرة

جريمة احترافية بامتياز - خاطرة

أستطيع أن أدّعي أنّ الكتابة جريمة احترافية ينبغي أن يعاقب على اقترافها القانون الدوليّ. فأنت عندما تكتب, لا تقوم بقطع أشجار أفريقيا و البرازيل لتصنع منها ورقاً تخطّ عليه ما قطعْتَه من حبل أفكارك المتوتّر فحسب , بل تكون قد حرمت الطّيور المهاجرة و السّناجِب الأليفة من مئواها الطبيعي , و أجبرت الأعشاب الخجولة على التحديق بالشمس بلا سابق إنذار. و عند الكتابة, تقوم أنت بإمساك القلم من رقبته بلا تهمة , بل و تجبره على فتح حنجرته و إخراج لسانه طوال الليل بحجة أنك لا تجيد الكتابة في النهار , و تجبره أيضاً على بذل دمه قسراً لأجل أن تروي أنت عطشك. و مع خضوع القلم لأوامرك التعسّفيّة – أو إخلاصه - , لا تعيرُه أنت أدنى اهتمام. فربما تركته فاتحا ً حنجرته هكذا , دون أن تسمح له أن يهمس , لتذهب في استراحة على البرندة الغربيّة , أو لتُعدّ فنجان قهوة مركّز , أو لتراقب خيال امرأة في الستارة المقابلة.

الكتابة, بهذا المفهوم , ليست جريمة احترافية في حق البيئة و القلم فحسب , بل هي جريمة احترافية بامتياز في حقك أنت ككاتب , حيث أن كل ما تكتب يمكن أن يؤذيك دون ترك بصمات بين الكلمة و صداها. و بهذا , تخرج الكتابة من جريمتها خروج الشعرة من العجين , و تموت أنت بين عبارة كتبتها , أو ندمت على كتابتها , أو ترددت بين الاثنتين !

- مــهــنَّــدْ

» خاطرة انثر عبيرك
» خاطرة لروح محمود درويش