ترهات

موضوع: ترهات الثلاثاء أبريل 28, 2009 3:59 pm

مسرحية كبيرة هي الدنيا، كلٌ منا يؤدي دوره فيها بإتقان، بل بقمة الاتقان، وقمة الاتقان اننا لا نعلم اننا نؤدي ادوارنا في مسرحية...

تمر على الواحد منا يوميا عشرات الاحداث، وينطق لسانه بمئات الكلمات، ويقوم يوميا بألوف الحركات، معظمها دون ترتيب مسبق، وفي خضم هذا الكم الهائل من التفاعلات، ومن الانفعالات والمشاعر والحوادث والكلمات، تضيع الغاية، يقف المرء ليفكر، فيحسب ان كل ما يجري حوله هو دوامة هائلة من الاحداث العشوائية، وهنا تقفز في ذهنه نظرية الفوضى، او مسألة القدر، فيجتهد في البحث عن الرابط، وعن النسق الجامع لمعمعة الاحداث، ولكن بلا جدوى...

ميز الله الانسان عن الحيوان بالعقل، ولكن الانسان استخدم عقله ليتطور في الاتجاه الخاطيء، حتى اصبح حيوانا..

الانسان مخلوق مدني، اي انه لا يستطيع الاستغناء عن البشر من حوله
كل مشاكل الانسان تأتيه من المجتمع والبشر الذين يتعامل معهم
اذا الانسان لا يستطيع ان يستغني عن المشاكل، بعنى ان الانسان " مخلوق مشكلجي"

بالامس كنت اتصفح أحد المواقع، فاصطدمت بإعلان لموقع اخر، والذي يخص شخصا يصف نفسه بأنه انسان ملحد، ولان الموقع كان محظورا، فقد اجتهدت حتى كسرت الحظر ودخلته، لاجد ان هذا الشخص قد كتب العديد من المقالات التي يصفها بأنها علمية ليدحض فكرة وجود الله، ولان المقال مستفز، فقد اخذت اكتب له رسالة خاصة لأرد فيها على ترهاته، وأخذني الوقت في الكتابة، وأمضيت اكتب لاكثر من ساعة، وعندما وصلت للخاتمة، وأردت ان اكتب اخر كلمة، وبزلة يد ، مُسح كل شيء كتبته...
فكرت قليلا فيما حدث،،،، وتوصلت لنتيجة مفادها، ان هذا الشخص لا يستحق ان أرد عليه...

دائما نقع في نفس الخطأ! عندما نفكر في بعض الأمور التي مرت علينا في الماضي، وبعض الاحداث التي كنا نحسبها جليلة، وفي التوتر والقلق الذي صاحبنا في تلك الفترة، فإننا نضحك ونستغرب، ونظن بأن الموضوع كان بسيطا جدا ولا يحتمل كل الاهمية والقلق الذي احطناه به،، وعندما نقع في مشكلة أو حدث، نبدأ بالقلق والتوتر مرة اخرى، ويغيب عنا ان الموضوع ليس عظيما ولا يحتمل كل هذا القلق...

أمضيت يومين في احد السجون العربية، لاني نسيت جواز سفري في الفندق، وسافرت من مدينة لاخرى، فاصطدمت بحاجز تفتيش، والحق اقول ان افراد الشرطة قاموا بواجبهم على أكمل وجه، فقد نفذوا الاوامر بحذافيرها، والتي تقتضي ان يتحول الشرطي الى حيوان، ويستغني عن نعمة العقل! لم يكلف أحد نفسه ان يستخدم اختراع الهاتف العجيب، أو ان يسمح لي باستخدامه، بل سارت الامور بمنتهى السلاسة، والسلاسة هنا تعني انني سلمت كل امتعتي الشخصية، بما فيها الهاتف الذي يمنع علي استخدامه، ثم ان يزج بي احدهم في الحجز، وهنا ينتهي الموضوع.
لن اتحدث عن حال الحجز، الذي يتلخص وصفه بأن مزبلة في أقذر شارع في أتعس قرية في أفقر دولة في العالم، أنظف منه، ولكن الكبت النفسي والقهر الذي صاحبني كان أعظم من ذلك كله، فلم أكن حقا قد ارتكبت جرما يتيح لهذه الحفنة من المخلوقات الغير عاقلة أن تستلب مني حريتي!!
مضى اليومان كسنتين، ووصلت الامور الى منحنى خطر من عدم الاكتراث، حيث كان من المفترض ان يتم ترحيلي مع غيري من المخالفين، ولكن الى أين؟! لا أحد يعلم، ولكنها الاجراءات!!
أغتنمت الفرصة التي سلموني فيها الاغراض الشخصية قبل الصعود الى الحافلة، وفي غفلة من الحارس، اجريت اتصالا هاتفيا بأحد الاشخاص، والذي اتصل بشخص اخر من أصحاب النفوذ، والذي اتصل بدوره بأحد الرؤوس القيادية في شرطة تلك البلد، واستمرت سلسلة الاتصالات حتى وصلت الى الحارس الغافل، والذي فك قيودي وأمرني ان أنتظر حتى يحضر أحدهم جواز سفري، وفي النهاية، مثل كل حكاية عربية واقعية، كان لا بد ان أدفع مبلغا من المال بلا سبب معلوم قبل ان يسمحوا لي بالمغادرة...

خرجت من هذه التجربة بقناعتين، الاولى: ان الانسان العربي، لا يكون انسانا حرا الا اذا امتلك واسطة، ودفع رشوة.
والثانية: ان الانسان العربي ما هو الا جواز سفر...

موضوع: رد: ترهات الثلاثاء أبريل 28, 2009 6:09 pm

لكم تعجبني أفكارك هذه دائما.. حقائق لا نشعر بها.. ولكن حين نفكر بها.. نضحك من أنفسنا.. ونعيد الكرّة..
أبدعت صديقي شعرا ونثرا

لكم تساءلت دوما عن سبب تسمية نفسك "جواز سفر" ولكني أدركتُ بفعل توقيعك وقصتك هذه.. أننا جميعنا العرب, جوازات سفر, حتى لو كنا في بلد غير عربي.. يتعاملون معنا.. كما لو كنا مجرد جواز سفر!!

سردك مشوق.. وراائع...
بداية الموضوع أعجبتني كثيرا..وقصتك أثارت دهشتي قليلا.. لم أزر يوما بلد عربي..ويبدو أني لن أفعل!
كتبتَ.. وبعفويتك هذه.. خرجت من بين يديك لوحة فنية مذهلة!!!!

أدامك المولى!

موضوع: رد: ترهات الثلاثاء أبريل 28, 2009 7:43 pm

جــاري الـغـالـي..
كتبتَ فأبعدتَ , وشعرتَ فأشعرتَ..!
نصك مفعم بالوجد والشجن والشكوى من حالٍ مريرة..
وصل سردك الشعور وخالطه بقوة حتى تماهت فيه المشاعر ..!
صحيح أن تمضية أيام بين زوايا دجى السجن تجعلك تلوك مرارة الحياة , ولكن احمد ربك أنها قضية صغيرة لا تُقارن مع قضايا سياسية كبيرة لا حل لها ولا تنسى أن البعض يقضون الدهور بين أربعة جدران تفصل بينهم وبين حريتهم ..
هوّن عليك يا أخي فالتجربة تمنحك الخبرة والمعرفة .. ولا تيأس إذ تعثرت قدماك ووقعت في حفرة مظلمة , فإنك ستخرج منها متمسكا ثابتا آملا أن لا تقع بغيرها .. وربما كان سبب وقوعك في تلك الحفرة هو أن القدر جمعك مع أناس لا يرون أمامهم غير القانون والمال..! غير متفهمين.. وكما قلت عنهم أنهم مخلوقات غير عاقلة!

قناعاتك التي رسخت في دماغك أعجبتني جدا , واعتبرتها نظرية قائمة في الدنيا , وأنا سأقتنع مثلك تماما وسأحاول أن لا أزعزع هذه القناعات لأنها صائبة!
قلوب محبيكَ يدعون لـك
وقــلــبــي يدعو لـك..
لا تحرمنا من جمال حرفك وشوق سردك.
استمر كما أنتَ..
دُمــتَ

[/b]

موضوع: رد: ترهات الثلاثاء أبريل 28, 2009 9:26 pm

نـــور و رنـــاد شكرا على الرد

نعم هذا هو سر اختياري لاسم جواز سفر، والحقيقة ان هذه لم تكن المرة الاولى التي اتعرض فيها للتوقيف، ولكنها كانت المرة الاكثر تأثيرا لسببين
الاول: انها كانت من قبل ابناء جلدتي من العرب، ودون سبب، فكانت الحسرة والمرارة اكبر من المعاناة الجسدية، وهي في الحقيقة تجربة غير مشرفة، فلو كانت كالتجارب السابقة، ولو كان احتجازي بيد اعداء الامة، لكنت سليت النفس بالفخر انني اسير لموقف وطني!

والثاني: وهو جسدي بحت، ان التوقيف كان في رمضان، ولست بحاجة لان اشرح لكم طبيعة الطعام في سجون الدول العربية، فصدقا أقول لكم انني صمت يومين دون طعام وعلى الماء فقط، وبالتحديد على القليل من الماء.

ما أردت ان اقوله في بداية الموضوع، ان كل ما نقوم به في الحياة سيذهب ادراج الرياح، لان الحياة نفسها زائلة، كل منا يضع نصب عينيه هدفا وغاية يعيش ويموت من أجلها، البعض يختار جمع المال، والبعض يختار انفاق المال! والبعض يختار امورا أتفه من ذلك، والبعض يمضي حياته حائرا لا غاية له، والقلة القليلة هي من تختار هدفا ساميا تقضي هذه الحياة الزائلة في تحقيقه، وترتقي بطموحها وترتقي بتطلعاتها لتصبح في مستوى هذا الهدف،، و اولئك فقط هم من يستحقون ان يقال عنهم أحياء!

موضوع: رد: ترهات الأربعاء أبريل 29, 2009 9:15 am

لا تحزن أخي
لو كان لديك جواز غربي لأكرموك
فهذا حال العرب هوان في هوان

اسلوبك سلس وجميل جدا
لاعدمناك