حان موعد شروق الشمس، هي لن تتأخر، ففي كل مرة تشرق حسب الموعد... مازال السكون مخيما، لا شيء يتحرك، لا شيء حيّ... ارتفع قرص الشمس قليلا، وارتفع نبض الحياة معه.. اشتعلت الاضواء في بعض النوافذ، بعض الاصوات اصبحت مسموعة هنا وهناك، صوت الاطباق في هذا المنزل، وصوت الماء المنسكب في ذلك المنزل..ازداد عدد النوافذ المضاءة، وازداد معه الصخب، صوت ثرثرة هنا وصراخ هناك، مشكلة صغيرة في هذا المنزل وكبيرة في ذلك المنزل... ابتدأت الحياة!
أخيرا انفتح احد الابواب، خرج شخص حسن الهندام، وتجاعيد النوم لم تفارق بعد ملامح وجهه، اتجه الى احدى السيارات المتوقفة، يبدو انه يملكها.. نعم فقد فتح الباب ودخل، ارتفع صوت هدير المحرك، ثم تحركت السيارة، وفارقت المشهد، باب اخر انفتح، شخص طويل جدا هو الذي خرج، لا ملامح واضحة، فالمنزل بعيد بعض الشيء، اتجه الى الشارع،ثم توقف.. يبدوا انه ينتظر سيارة اجرة، انفتح باب اخر، طفل صغير خرج حاملا حقيبة مدرسية، أظنها كذلك، لا بد ان تكون حقيبة مدرسية، ما زال الطفل واقفا قرب الباب ، غريب انه لم يتحرك من مكانه، حافلة صفراء تعبر الشارع وتتوقف قبالته، اه انها حافلة المدرسة، أقلته الحافلة ومضت لتقل غيره في مكان اخر، طفل اخر خرج من منزل اخر حاملا حقيبة مدرسية اخرى، لكنه لم ينتظر قرب الباب شأنه شأن سابقه، بل مضى قدما قاطعا الشارع، يبدوا انه سيتوجه الى مدرسته مشيا..
ازداد عدد الابواب المفتوحة، وازداد عدد الناس الذين يمشون كل الى بغيته، هدأت المنازل وانتقلت الحياة الى الشارع، قرص الشمس ارتفع اكثر، رافعا معه وتيرة الحياة!
اقترب قرص الشمس من المغيب، نفس المشهد السابق يتكرر، الفرق الوحيد ان الناس تدخل الابواب هذه المرة وليس العكس، استمر كل شيء الى ان ساد الصمت، بعد ان فارقت الشمس المشهد، انتهى يوم اخر في الحياة...
في أول يوم له في مهنة التعليم، دخل المدرس الجديد غرفة الصف متوجسا، يراقب كل حركة من تلاميذه، يستطلع النوايا من الوجوه والنظرات، وهو يعلم ان حركة واحدة أو هفوة صغيرة ستفقده هيبته للابد، لا بد ان يظهر حازما! لا بد ان يهابه التلاميذ كي يحترموه! لا بد ان يسيطر على الموقف، حتى لا تنفلت الامور من زمامها، ويصبح نكتة جديدة بين التلاميذ وبين الزملاء الاساتذة!
في اول يوم له في مهنة التعليم، جلس التلاميذ يستطلعون شخصية هذا الوافد الجديد، يستشفون شخصيته من حركته، ينتظرون منه هفوة كي ينقضوا عليه، هم لا يريدون معلما صارما اخر، هم يريدون معلما سهلا، ليتمكنوا من تحويل حصته الى مهزلة، او ساعة للترفيه!!
هو يقف مستطلعا، وهم يجلسون مستطلعين، وبينهم وبينه ضاع الهدف من وجودهم اجمعين، ضاع التعليم!
أية في القران، تستأهل منا ان نقف متأملين فيها، وتحتاج ان نعيدها مرارا ومرارا، الاية تقول " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"، الاخسرين أعمالا ليس هم الكفار، وليس هم الشياطين، وليس اليهود وليس الملحدين،، انما هم الموهومين!! الذين ضلوا عن سواء السبيل وهم يعتقدون انهم على الصرط المستقيم يسيرون!! انها دعوة لنا جميعا لنتوقف وننظر الى مواطيء أقدامنا!
أخوان اثنان، أحدهما يملك بيتا بلا نوافذ ولا ابواب، والاخر يملك بيتا جدرانه متهدمة، والبيتان في قرية، وكل بيوت القرية في الاصل مملوكة لوالدهما ولكن الاغراب يسكونها في الوقت الراهن، صاحب البيت المتهدم يطالب الاغراب بالرحيل ، وان يعيدوا له منازل القرية، وليس لشقيقه لانه لا يستحق!
وصاحب البيت الذي لا نوافذ أو ابواب فيه يطالب الاغراب بالرحيل وأعادة المنازل له لا لشقيقه لانه لا يستحق!
صاحب البيت المتهدم احتد من كلام شقيقه، وصاحب البيت الذي لا نوافذ او ابواب له انزعج من تصريحات شقيقه، ووقعت بينهما الحرب..
ازداد الوضع بينهما سوءا!!، ازدادت حدة الصراع بينهما، ازداد التوتر، تبادلا الاتهامات، كاد كل منهما للاخر في الخفاء والعلن، كل محاولات الاصلاح التي قام بها وجوه القرى المجاورة بينهما فشلت، استمر الحال على ما هو عليه... وفي النهاية لم يعد أحد منهما يذكر الغرباء!
الابتسامة ...تفاؤل
الضحكة...راحة البال
الدمعة ...جرح
البكاء ...فات الاوان
الكلام...يفضح قائله
وحده الصمت يحمل الكثير من المعاني