RiNaD عضو مجلس الإداره
نقاط التميز : +200 عدد المساهمات : 860 العمر : 31 الموقع : ~ وَطَنْ مَسـْلوب ~ العمل/الترفيه : طــالبة المزاج : ~ نَقْش ألْحروفْ ~ نقاط : 6646 تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: إغتيال اللغة - مريد البرغوثي الخميس أكتوبر 01, 2009 8:47 am | |
| *إغتيال اللغة«الفلسطينيون كالسرطان. هناك أكثر من طريقة لعلاج الظواهر السرطانية. فى هذه المرحلة أنا أمارس معهم العلاج الكيماوي» موشيه يعالون رئيس الأركان الإسرائيلى «ذات يوم علينا أن نقلّص عدد الفلسطينيين الذين يعيشون فى المناطق» إيتان بن إلياهو قائد سلاح الجو الإسرائيلى «مقابل كل ضحية تسقط منا يجب أن يسقط 1000 فلسطيني» ميكائيل كلاينر رئيس حزب حيروت الإسرائيلى «أنا أومن بالتصفيات الجسدية» الجنرال مئير داجان رئيس جهاز الموساد الإسرائيلى ماذا بوسعِ شاعرٍ أن يفعلَ إزاء لُغَةٍ كهذه؟ لغةٍ تُحلِّقُ عالياً مع قاذفات القنابل، وتغوصُ عميقاً إلى حضيض الجريمة؟ وبما أننى الفلسطينى المقصود بهذا الخطاب، وبما أنه تصادف أننى الشاعر الذى على هذا الحال، فإنه يسهلُ تَصَوُّرُ كم هو شائكٌ وصعب أن أكون الشاعرَ الذى أصبو إليه. ذلك أن من يقاتل الوحش، كما قال نيتشه، يجب أن يحرص على أن لا يصبح بِدَوْرهِ وَحْشاً: «عندما تُحَدِّقُ فى الهوَّة، فإن الهوَّةَ تُحَدِّقُ فيك». أتوق إلى أن أهمس قصيدتى فى أسماع الكون ناياً خفيفاً، بينما تاريخى الغليظ وجغرافيتى الفظة يقرعان الطبول حول كتفى. وهكذا، محاطاً بأهوالِ الموت اليومى، أحلم بكتابة قصيدة عن «الحياة»! ومرجوماً باللغة العنصرية لجنرالات إسرائيل، المعززة بجوقة الحضيض التى يمثلها بناة الإمبراطورية الجدد من أمثال بوش وتشينى ورامسفيلد ورايس وولفوفيتس وبيرل، أتوقُ لكتابةِ قصيدةٍ عن «الحُب»! التجلّى الأوحد «لما بعد الحداثة» فى فلسطين هو جيش الاحتلال الإسرائيلي! وأرقى فنون «التجديد» فى فلسطين هى ابتكارات السلاح الإسرائيلي! لقد أدى الاحتلال إلى تَصَلُّبِ نسيجِ لغتنا، وجعل قصيدتنا مزدحمة أكثر من شوارعنا. ورغم ذلك يدرك معظمنا أن واجبه يتمثل فى تجنب السقوط فى الإيقاع الحربى والصور التبسيطية والشعر الكاكى. إنها مهمة لا سهولةَ فيها، لكننا نلاحقها بمحاولاتٍ مضنية، ونحيطُها بعنايةٍ تجلِبُ الألَمَ. وفى أحيان كثيرة ننجح! وهكذا، مبعثَرين فى المنابذ والمنافى، مُعَرَّضينَ للقتل والسجن ومنع التجولِ والعقوبات الجماعية والإذلال وإعادة - إعادة - إعادة الاحتلال، فإننا، نحن الشعراء الفلسطينيين، ومعنا الشعراء العرب أيضاً، لا نقاوم هذه الأخطار المادية والوجودية وحدها، بل نقاوم أيضاً، أخطار الهشاشة الجمالية التى تهدد شعرنا. نعم. نحن الذين نعيش تحت ضغط الألم ونموت تحت ضغط الأمل (فالأمل يضغط كما الألم)، نحن المحاصَرين بين كابوس واقعٍ مُلَوَّثٍ وملَوِّث، وحلمٍ نظيف، إذا أردنا أن نكتب شعراً حقيقياً، فإن علينا أن نناضل «لتحرير» قصيدتنا من «عبء الحرية»! أنا أكبر من دولة إسرائيل بأربع سنوات. ولدت عام 1944 فى دير غسانة قرب رام الله على التلال الشرقية من فلسطين. شاهدت فى طفولتى المبكرة عائلاتٍ وأفراداً تختلف لُكناتهم إلى حدٍّ ما عن لُكْنة آل البرغوثى الذين يشكلون كل سكان القريةِ وعددٍ آخر من القرى المجاورة. كان واضحاً أنهم أتوا من أماكن بعيدة. كانوا يطلبون الطعام أو المأوى أو يتدبرون شكلا من أشكال الإقامة. فى تلك الأيام سمعت للمرة الأولى كلمة «لاجئين». قيل لى إنهم طردوا من بيوتهم فى مئات القرى والمدن الساحلية التى دمرتها الفرق الصهيونية المسلحة التى أعلنت دولة إسرائيل عام 1948. لاجئون؟ كنت أسأل والدى «لماذا نسميهم لاجئين بينما هم فلسطينيون مثلنا؟» إجابات بلا نهاية على أسئلة بلا نهاية سَبَّبَها ظهورُهم غيرُ المفهوم فى قريتنا. ولم أعرف معنى كلمة لاجئ إلا عندما أصبحت واحداً عند سقوط دير غسانة وكل الجزء الشرقى من فلسطين تحت الاحتلال عام 1967، كانت نشرات الأخبار تتحدث عن «الضفة الغربية». لا يوجد ما يوضح «تلويث اللغة» أكثر مما يوضحه مصطلح «الضفة الغربية» الذى عشنا معه سنوات دون تأمل مغزاه الحقيقى. ضفة ماذا؟ وغربية بالنسبة لأى شرق؟ الإشارة هنا إلى نهر الأردن. نحن ضفة النهر لا ضفة فلسطين. ولو كانت الإشارة إلى فلسطين لتحدثوا عن الجزء الشرقى منها. الضفة الغربية للنهر موضع جغرافى وليست بلداً أو وطناًً. معركة اللغة تصبح معركة الأرض. تدمير الأولى يساوى تدمير الثانية. عندما تختفى فلسطين كاسم تختفى كوطن. لا بد من قتل اسم فلسطين وطمسه. القادة الإسرائيليون، ممارسين إيمانهم بأن فلسطين التاريخية كلها لهم، سيقومون بتجسيد الخرافة ويعطون لبلدى اسما توراتياً هو يهودا والسامرة وسيمنحون مدننا وقرانا أسماء عبرية. لكن، سمِّها ما شئت، تظل الحقيقة أن هذه الأرض «محتلة». لكنهم لن يسمحوا لهذه الحقيقة أن تُحرِجَهم، والحل بسيط جداً: هذه الأراضى سيسميها حكام إسرائيل «المناطق». نقطة! إنه حل فى منتهى البراعة! أنا فلسطينى لكن بلدى اسمه «المناطق»! ما الذى يحدث هنا؟ بكلمة واحدة يقوم الغزاة بإعادة تعريف شعب بأكمله ويحذفون التاريخ. وسيكرر الاحتلال إعادة تعريف الفلسطينى مرةً بعد مرةٍ وبلا هوادة: سيسمونه المخرب. المسلح. المطلوب. القاتل. الإرهابى. الفائض عن الحاجة. السرطان. الصرصار. الأفعى. الفيروس. إلخ. ولا نهاية للقائمة! ولا يتحقق ذلك بدون الوسائل الملائمة: اغتيال اللغة، وقتل المعنى، وفرض التعميمات، واحتقار الدقة، وتجسيد الخرافة بحيث تصبح حقيقة سياسية على الأرض، وكسوة الاستراتيجيات العسكرية والتكتيكات الحربية بكساء المفردات الرسولية والأخلاقية. حينذاك يسهل كل شيء، فالوصفة جاهزة: كُن الطرفَ الذى يضعُ التعريف. عَرِّفْ! صَنِّفْ! بَسِّطْ!، اختزِلْ! شَوِّه المعلومات! أخفِ المعلومات! علِّق الوصمة! ثم: أَرسِل الدبابات والقاذفات. من سيلومك بعد كل ما فعلت؟ ألستَ فى حالة دفاعٍ عن النفس؟ إذا كانت اللغة العادية المتداولة عبئاً على الشعر فإن لغة السياسة والسياسيين والجنرالات هى التلوّث بعينه. هذا ما كان عليه الوضع باستمرار، لكن العالم يشهد هذه الأيام «لغة تَقْتُل». لغة غبية تلد قنابل ذكية. لغة متوحشة ترسل الشباب والصبايا إلى مراعى الفتك. فهل يؤدّى اغتيالُ الكلام إلى اغتيالِ البشر؟ نعرف أن التَّسطيحَ أهمُّ أسباب خراب الشعر والنثر. وعندما يكون السمةَ الغالبةَ على خطابِ صُنّاع السياسة ومحترفيها، فهو يؤدى حتماً إلى تفريخ أشكال التعصب والسلفية يميناً ويساراً. وإذا أضيف له الشعور المريض بالرسولية والتفوق معاً، كما هو الحال الراهن فى لغة الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن التسطيح، كما علَّمَنا التاريخ، يؤدى إلى الفاشية. وعليه، فإن الخطاب القائم على «هم/نحن» أو «إما معنا أو مع الشر» ليس رطانة غبيةً هوجاء فقط, بل هو عمل من أعمال القتل. كان الهجوم الإرهابى على نيويورك عملاً مُداناً من قبل العالم كله. وكفلسطينى من ضحايا الإرهاب الإسرائيلى، وكغيرى من الشعراء الذين لا يتصالحون مع القبح، فإننى تماثلت على الفور مع الضحايا داخل البرجين وتعاطفت مع كل روح أزهقت آنذاك. الآن وبعد مرور سنةٍ وبضعة أشهر أتساءل لماذا سُجِّلَ ذلك اليومُ فى التاريخ على أنه 11 /9 فقط، دون الإشارة إلى عام 2001؟ يقولون لك 11/9 ولا يشيرون إلى السنة أبداً! المؤكد أن علماء السياسة يستطيعون الإجابة عن هذا التساؤل بدرجة من الدقة لا يمتلكها أمثالى من غير المختصين، لكنّ الواضح أن هذا التبسيط الشيطانى سيتيح لجورج بوش ومستشاريه ذوى الأنياب فى البيت الأبيض أن يصوروا ذلك اليوم بصفته يوماً خارج التاريخ وخارج السياسة، وذلك من أجل تدمير فكرة استمرارية التاريخ وترابطيته. وهكذا يمهدون الطريق لنظرية خبيثة وخطيرة تفضّل أن ترى 11/9 بصفته بداية القانون، بداية الحق، بداية الباطل، بداية الأعراف، بداية الصداقات، بداية العداوات، بداية المصالح، و.. «بداية التاريخ»! سيتيح هذا النوع من التسطيح فكرةً جهنميةً توحى بأن التعامل مع ذلك اليوم يجب أن يختزَل إلى معادلة الشر المطلق ضد الخير المطلق. لا أكثر ولا أقل. هكذا سيتمكن البيت الأبيض من منع أى تحليل سياسى أو تاريخى وتحريم أى محاولة للربط بين ذلك اليوم وأية قضية أخرى على سطح هذا الكوكب. وهكذا يرغم جورج بوش دول العالم على تقبل أى خيار تختاره الولايات المتحدة، والرضى عن أية ضربةٍ توجهها إلى أى طرف، فى أية لحظة، فى أى مكان. هكذا ينهى جورج بوش «مفهوم الحياد» فى الحروب، فينقلب على تحالفاته التقليدية دون أدنى اعتراف بالجميل للأَتباع والأعوان التاريخيين، ويتمكن من تشكيل عجينة القانون الدولى والأمم المتحدة والنظام الدولى العالمى برمته، كما تشتهى يداه. عن طريق «اغتيال اللغة» وتلويث الكلام يهدف هو وإدارته إلى تحطيم نُظُم الاعتقاد المألوفة لدى البشر. نعم. إن أبشع ما يخشى أن تحققه هذه الإدارة بقيادة جورج بوش هو إعادة الكون إلى الفوضى وقديماً قال الشاعر العربي: وإن النّارَ بالعودَينِ تُذكَى وإنَّ الحَرْبَ أوَّلُها الكَلامُ والآن، هل يحق للشعب الأمريكى وشعوب الأمم الأخرى أن يفكروا وأن يحللوا وأن يفحصوا هذا «الكلام» الملوث؟ نعم، نظرياً نعم. لكن إدارة جورج بوش لا تحب التحليل «الزائد» ولا تسمح به. إنها تريد أن تنظِّم النتائج الناجمة عن التفكير، وأن تسيطر على مستقبل الأفكار! وماذا عن الكتابة والكتّاب فى عصر كهذا؟ ماذا بوسعى كشاعر فلسطينى أن أفعل بشعرى وبلغتى، هنا والآن، فى هذا الجزء من العالم حيث الموت «لا يقع لأسباب طبيعية كالشيخوخة والأمراض وحوادث الطرق. الموت هنا ينتسب، يقيم، يتجوّل فى الأرض، فى المنفى، يمارس حياته العادية بيننا، يحدِّق فى وجوهنا جميعاً، يجعل البلد يطالب عكاز الشيخ وطرحةَ العجوز ورضّاعةَ الطفل بالتَّذكُّر اليومى، بالنسيان اليومى، وبما هو أقسى من ذلك كله: بالبطولة...اليومية! إنها حافة الحياة أو هى الحياة على الحافة. ففلسطين حاضرة. وهى أيضاً ملغاة. هى النكبة. هى المقاومة. هى متاحة. هى ممنوعة. هى خائفة. هى مخيفة. هى هوية أهلها. هى فقدانهم الكامل للهوية. هى ذهابنا، مضطرين إلى الأمل. هى ذهابنا مضطرين، إلى اليأس. هى مشكلة إنسانها من الرضعة الأولى إلى الشهقة الأخيرة. إنها الطوارئ التى تقترض صفة الديمومة» حيث الاحتلال «يتدخل فى الحياة كلها وفى الموت كله. يتدخل فى السهر والشوق والغضب والشهوة والمشى فى الطرقات. يتدخل فى الذهاب إلى الأماكن ويتدخل فى العودة منها، سواء كانت سوق الخضار المجاور أو مستشفى الطوارئ أو شاطئ البحر أو غرفة النوم أو عاصمة نائية»! فى مكان آخر تحدثتُ عن «الشعر فى مجتمع الكارثة» حيث تختل جميع الأولويات بما فى ذلك الأولويات الثقافية بمعناها الأشمل، وبمعناها الأدبى على الأخص، والشعر على وجه التحديد. قلت إنه ينبغى أن يظل هناك، حتى فى بؤرة العاصفة، نَفَرٌ من المبدعين الراغبين فى اكتشاف قدرة الفن الساحرة على الاحتفاظ بجدارته وصفاته، وعدم السماح بتدميره. وفى واحد من مقالاته المبكرة كتب الشاعر الأمريكى و.س. مارفن: عندما يسود الظلم (وأين لا يحدث ذلك؟) لا خيار أمام الشاعر سوى أن يسمى الخطأ باسمه وبأدق صورة ممكنة وأن يحاول الإشارة إلى مطالب العدالة، كما يراها الضحايا الذين يشاطرهم حياتهم. وأنا أتفق معه هنا، كما أننى أشاركه مخاوفه من الخطر الذى يواجه الشاعر فى هذه الحالة، من حيث المجازفة بفرديته التى لا تُعَوَّض، وتشويه موهبته ذاتها إذ يتحول إلى «مكبّر صوت». لقد أخذت منا إسرائيل أرض القصيدة وتركت لنا قصيدة الأرض. لكنّ أفق قصيدتنا يحاول أن يكون أكثر اتساعاً من هذه الثنائية المخنوقة، ليحيط بالكونى والإنسانى من جهة، وبالشخصى والحميم من جهة أخــرى. ويعــى أفضل الشعراء الفلسطينيين والعرب الحقيقةَ التالية: التبسيط أو التجريد يفيد المتعصب لكنه بالنسبة للشاعر، انتحار. إن معاناة أمة من الأمم يجب ألا تكون ذريعة لتبرير الركاكة والتسطيح فى أى شكل من أشكال التعبير الفنى. فليس مقبولاً، لأننا نعيش على الحافة المأساوية للتاريخ، أن نختزلَ اللوحةَ إلى المُلصَق، والأغنيةَ إلى نشيد، والمسرحيةَ إلى موعظة، والروايةَ إلى أيدلوجيا عارية، والشعرَ إلى شِعار. وقد اختلفت دائماً مع المفهوم المنتشر حول ما اصطلح النقاد الكسالى على تسميته الشعر الوطنى، رغم أن عالمنا يشهد أوقاتاً ضاغطة قليلة الرحمة أصبحت الحرب فيها هى الخيار «الأول» فى إدارة شئون الكون؛ وانتشرت الحروب الصغيرة كالفِطر فى أكثر من مكان على امتداد السنوات الأخيرة، وصار مصطلحُ «عملية السلام» أبلغ علامة من علامات التلوث اللغوى بل أصبح بذاءةً لغوية تشــير إلى إطالـةِ أَمَدِ الصراعات الدّامية عـن قصدٍ وتصميم، وبذل كل جهد ممكن من أجل تغييب العدالة. ولأن القوة تُملى ولا يملى عليها، فإن العدالةَ التى تروقُ للطرف الأقوى هى الظلمُ الشاملُ. تساءلتُ دائماً: «نحن اخترعنا النظارات والعدسات اللاصقة ولكن، هل نرى بوضوح أفضل من الأعمى تيريسياس»؟ وحاولت الإجابة«هذا عالم انكمشت فيه الأسئلة الميتافيزيقية والفلسفية الكبرى إلى الزوايا بينما تقدمت فيه العضلات وغطرسة القوة إلى المركز. «الموت» يتم بثه بثاً «حياً» ومباشراً على الشاشات. اللغة النظيفة، اللغة التى تحاول أن تعنى ما تقول، هى نوع من الرد الأخلاقى على اللغة الملوثة. فاللغة عنصر مشترك بين عالم السوق وعالم الجَمال، والشعر يحاول أن يعيد لكل مفردة خصوصيتها المطموسة بالابتذال الجماعى. لاحظ شغف الطاغية باللغة الرنانة ولاحظ الشاعر الحقيقى إذ يختار لغة التقشف الزخرفى والدقة الجراحية فى مفردات عمله. لم يعد الشاعرى هو الشعر». إن الشعر المعاصر أو الجزء المهم منه هو دحض الشاعر لقبح الطاغية وقبح السوق. فالشعر لا يكف عن تجديد لغته. على عكس مؤسسة الأمر الواقع التى تصاب بالهلع من التجديد وتسعى باستمرار لتثبيت لغتها السعيدة كجزء من دفاعها عن تثبيت وجودها ذاته.«هكذا تصبح لغة الشعر الحقيقى إدانة للغة الصفقة المتواطأ عليها من ناحية، وتعبيرًا عن عجز الشعر عن هزيمة هذه الصفقة من ناحية أخرى. ولعل هذا العجز هو الذى يفسر «حزن الشعر» فى العالم كله». واللغة المسمومة لا تعمل بدون الدور الحاسم الذى يلعبه إعلامٌ مَسمومٌ. إن مليارات الدولارات يتم إنفاقها لإقناعنا بأن حروب الولايات المتحدة حقٌ، وضرورةٌ، واحتياج تمامًا كالأدوات المنزلية! ومن خلال البرامج الزاهية اللون وتشويق الحوارات الكَلْبية اللاهبة، والمؤتمرات الصحفية المُعدة النتائج والمحددة المسار، تقوم موهبة التليفزيون العملاقة، والإمبراطوريات الصحفية الشاسعة بحشرنا فى ثقافة الحرب الأمريكية ولا تكتفى بمحاولة إقناعنا بوقاحة القوة، بل تريدنا أن نُصَفِّقَ لها! ولكن، ما شأن المثقفين فى كل هذا؟ الإجابة هى أن شأنهم كبير: أليس هؤلاء الإعلاميون كُتّابًا؟ أليسوا مبدعين ومفكرين ومنظرين وأكاديميين وفنانين وأصحاب معرفة بالحياة وباللغة، ارتضى كل واحد منهم أن يمارس مهنةَ «كبيرِ الخَدَم» فى احتفال القتل، وأن يكون نادلاً من سقاةِ الجحيم؟ أما الطراز الآخر فهم المثقفون الذين اختاروا الصمت والتواطؤ المدروس لإخلاء الساحة من البدائل. من هنا تبرز أهمية دور الأقلية الثقافية الشجاعة فى كل مجتمع. وفى هذا الوقت الكاكى بالذات، لا يمكن الاستهانة بمدى حاجتنا لشرف وجودهم. ففى المعركة على اللغة، الصمتُ ليس حلاً، والتواطؤ جريمة. وبينما يحوم شبحُ الحرب فى أرجاء الكون، تتصاعد بين الأقوياء والضعفاء لُغَةٌ أحب أن أسميها «لُغة أبارتهايد كونية». إنها لغة للقطع لا للوصل. لُغَةٌ تَصم وتتهم. تُعَرِّفُ وتُقَسِّم. لغة تضيء القذائف وتُعْتِمُ المعنى. تمزق المحتوى الإنسانى للفلسفات، والعقائد، والهويات العديدة على اتساع كوكب الأرض. الحرب فيها جوابٌ لا سؤال والموت أرقام لا أجساد وأرواح. لغة تختزل أممًا وشعوبًا بأكملها إلى خيرٍ لا شرَّ فيه، أو شرٍّ لا خيرَ فيه. افتتحت الولايات المتحدة القرنَ الواحدَ والعشرين ببداية كارثية بالنسبة للأسوياء من بنى البشر، محبى الحياة والجمال والسلام والكرامة والعدل والساعين للحقيقة. وها هى ظواهر الإرهاب الفردى وإرهاب الدولة والتعصب لا تزال طاغية على جانبى الصراع. أما لغة فقهاء العولمة الرأسمالية وبناة الإمبراطورية فى البيت الأبيض، المولعين بتفصيل الحروب كالأزياء، فقد ازدادت انكشافاً بصفتها لغةً جرائميةً تهدد حياتنا وتجعل كوكبنا أقلَّ أَمْناً كل صباح. وبما أننا لا نستطيع أن نغسلَ الكلماتِ الملوثة بالماء الساخن والصابون «كما نغسلُ الصَّحْنَ من دهنهِ»، فإننا، نحن شعراءَ العالم وكُتّابَهُ، سنظل نشير بقوة إلى خطر «اغتيال اللغة» وتلويثها بأشكال التعميم والتبسيط والتسطيح. وسنواصل العناية بقصائدنا وكتابتنا، بلغة ملموسة تعرف فضيلة الدِّقّة وجدارة الأعماق، لكى نسترد احترامَ المعنى، ولإنقاذ معنى وجودنا المهدَّد بالعبث والهباء واللاجدوى. ورغم إدراكنا لحقيقةِ أننا سنظل دائماً الأقلية، وأنّ نجاحَنا ليس مضموناً على الإطلاق، إلا أننا لا نستطيع أن نتواطأ مع أولئك الذين لا يرِفُّ لهم جفنٌ وهم يقتلون اللغة ويقتلون طمأنينة البشر، ويكْرزون بحرب قد تَحصدُ أرواحَ الملايين، ليفرِضوا على الإنسانيةِ «عَدالتَهُم المُطْلَقَة»! سيكرر الاحتـــلال إعــــادة تعــــريف الفلسطينى مرةً بعد مرةٍ وبلا هوادة: سيسمونه المخرب. المسلح. المطلوب. القاتل. الإرهـــابى. الفائض عن الحاجة. السرطان. الصرصار. الأفعى. الفيروس. إلخ. ولا نهايـــــة للقائمــــــــة! ولا يتحقــــــق ذلك بـــدون الوســائل الملائمة: اغتيـال اللغة، وقتل المعنى، وفرض التعميمات، واحتقــار الدقـة إذا كانت اللغة العادية المتداولة عبئاً على الشعر فإن لغة السياسة والسياسيين والجنرالات هى التلوّث بعينه. هذا ما كان عليه الوضع باستمرار، لكن العالم يشهد هذه الأيام «لغة تَقْتُل». لغة غبية تلد قنابل ذكية. لغة متوحشة ترسل الشباب والصبايا إلى مراعى الفتك. فهل يؤدّى اغتيالُ الكلام إلى اغتيالِ البشر؟**** ملخص لمقال طويل كتبه الشاعر باللغة اإنجليزية، نشرته مجلة أوتو دافيه التي يصدرها البرلمان العالمي للكتّاب بسبع لغات، العدد الثالث، ربيع 2003 وقد كلّفت المجلة خمسين كاتباً من أنحاء العالم بالكتابة في هذا الموضوع. الترجمة إلى العربية قام بها الشاعر (مع بعض التصرف) ونشر هذا المقال في مجلة" وجهات نظر" الصادرة بالقاهرة عام 2003 | |
|
رغد مبدع نشيط
عدد المساهمات : 92 العمر : 30 الموقع : القاهرة العمل/الترفيه : طالبة نقاط : 5709 تاريخ التسجيل : 05/08/2009
| موضوع: رد: إغتيال اللغة - مريد البرغوثي الخميس أكتوبر 01, 2009 6:00 pm | |
| | |
|
RiNaD عضو مجلس الإداره
نقاط التميز : +200 عدد المساهمات : 860 العمر : 31 الموقع : ~ وَطَنْ مَسـْلوب ~ العمل/الترفيه : طــالبة المزاج : ~ نَقْش ألْحروفْ ~ نقاط : 6646 تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| |
الشاعر لطفي الياسيني مبدع نشيط
نقاط التميز : +100 عدد المساهمات : 470 العمر : 87 الموقع : WWW.lutfiyassini@live.com العمل/الترفيه : شاعر المقاومة نقاط : 6687 تاريخ التسجيل : 19/04/2009
| موضوع: رد: إغتيال اللغة - مريد البرغوثي الثلاثاء مارس 23, 2010 4:36 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين تحية الاسلام جزاك الله جنة الفردوس الاعلى التي اعدت للمتقين نفع الله بك الاسلام والمسلمين وادامك ذخرا لمنبرنا الشامخ شموخ ارز لبنان ان كل مفردات ثقافتي لا تفيك حقك من الشكر والاجلال والتقدير لك مني عاطر التحية واطيب المنى دمت بحفظ المولى
استمع للقران الكريم http://www.quranimp3.com/main.php | |
|
أطلال مميزه
عدد المساهمات : 193 العمر : 37 الموقع : لبنان العمل/الترفيه : طالبة جامعية نقاط : 5612 تاريخ التسجيل : 12/02/2010
| موضوع: رد: إغتيال اللغة - مريد البرغوثي الأربعاء مارس 24, 2010 5:06 pm | |
| لا يسعني الا أن أقول شكرا أيتها العضو النشيط المشاغب | |
|