هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
https://she3r.alafdal.net/h1-page

 

 برق سحابة لم تمطر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شادي
مبدع جديد
مبدع جديد



ذكر
عدد المساهمات : 10
العمر : 45
الموقع : دمشق
العمل/الترفيه : كاتب
نقاط : 5262
تاريخ التسجيل : 13/07/2010

برق سحابة لم تمطر Empty
مُساهمةموضوع: برق سحابة لم تمطر   برق سحابة لم تمطر Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 13, 2010 10:44 am

بسم الله الرحمن الرحيم
كنت كلما طالعت ورقة ً بيضاء ممددة ً على طاولتي كجثةٍ هامدة ٍ لا حراك فيها أطوق إلى أن أبث فيها الروح بقلمي وأبعث الحياة في شرايينها بمداد أفكاري
إلا أني أعود متردداً خائفاً من تلك المساحات البيضاء النابعة من أصغر جزيئات هذا العالم الغريب العجيب عالم الكتابة
أسدل ستائري وأجمع أوراقي فوق طاولتي الخشبية ثم أطفئ جميع الأضواء إلا ضوءً صغيراً موجَّهاً نحو الأوراق ولا يكاد يضيع ذرة نور بعيداً عن هدفه
وحيداً مع هذا الضوء وتلك الأوراق وكوب القهوة العربية أجلس كل ليلة ألملم أفكاري لأرسم هذه الصفحات
لم يخطر لي يوماً أن أكتب ذكرياتي فلست ممن بصموا على كتاب التاريخ أو زحزحوا جدار الزمن أو وضعوا لبنة ً في صرح الحضارة ولم أنقش حتى حرفاً على حجر ٍ صغير في حياة هذا الكون
لكني اليوم واليوم فقط قررت أن أخط مذكراتي أكتبها أو أحررها لا أدري
لمن أخط هذه الذكريات وفي أي غلافٍ أغلفها سؤالٌ يحيرني
أأكتبها لكِ أنت حبي الأول لحظات حياتي الأجمل أأكتب مستلهماً من سويعاتٍ داعبت فيها الثريا فرحاً وسرور
أهٍ كم تمنيت ذاك ولكني وكما تعلمين لست الآن بصاحب الحق بمداعبة خيوط الذكريات معك
لعلي سأرسم صور الماضي مع الصديق الأخ الذي قاسمني وقاسمته أنفاس الأمل الأخيرة ولحظات التخبط والحيرة في مسيرة الشباب الأولى
آهٍ لو أستطيع....ولكن...!
لكني سأكتب لك أنت بسمة الأمل واللحظة الأجمل أو لعلها اللحظة الأخيرة قبل الرحيل الأخير
قد تكوني الآن وفي لحظة كتابة هذه المذكرات أبعد ما تكوني عن فهم ما أقول ولكنك غداً عندما تجلسين خلف طاولتي هذه تستذكرين ستدركينها جيداً
أتوقعك الآن تلملمين ذكرياتٍ ماضية وتطرحين الكثير والكثير من الأسئلة
تقرئي وتذرفِ الدمع من نهر الحنين والشوق
سأكتب لكِ لو تريدي معرفتي سأكتب سأصرخ ولا يهمني من يسمع إن لم تكوني أنتِ بقدر ما يهمني أن أخرج ما بصدري من غضب
كان ذاك يوم أدركت أول مرة حقيقة هذا العالم وأيقنت أني ابن جيلٍ عاش يستنشق الحياة من بين مخالب الحروب
فمذ وعيت على هذه الدنيا وأنا أجد نفسي شاهد عيان قريب أو بعيد على حروبٍ تمزق أمم وتحطم أساطير وأرى أمامي شعاراتٍ تنهار أمام ضعف حامليها أو ربما خياناتهم لها حتى بات الشعور العام يسود أن جميع الأحزاب قد تنصلت لمبادئها
حرب لبنان حرب الخليج الأولى والثانية البوسنة والهرسك أفغانستان وأضحوكة السلام المملة
ثقافة ٌ سياسية عشناها وما عشقناها تراكيب غريبة من الشباب سيرتنا فذاك مازال يبحث خلف الجدران عن فلول قومية ٍ ما و آخر ينقب تحت الأرض عن أطلال حزبٍ كان ذات يوم يشحننا قادته بمبادئ نبيلة
أو ضيع على أحد الحدود جواز سفره ليهيم على وجهه بين الأرصفة المقرفة والحانات الساقطة على الجانب الآخر من الشوارع المزدحمة لمدن النور الكبيرة
وآخر باع قلمه وأوراقه وصوته ومواقفه بلفافتي تبغ وغمزة عين ٍ فاطمية
وثالثٌ ورابع .......وآلف
في هذا الجو المشبع بنتانة النفاق والانكسار كان يجب أن أحلم وأعيش ولما كان ليس بمقدوري أن أنظف النهر بمفردي قررت أن لا أغرس رأسي في الوحل على أقل تقدير
كنا خمس شباب جمعتهم أحلامٌ لازودية فعزموا على أن يثبتوا على مبادئهم, أو على أقل تقدير أن لا يتغيروا أو ينساقوا في هذه الدوامة كيما يسقطوا بين رحا
طواحين الحياة , شبابٌ قرروا أن لا يهونوا يوم هان كل شيء
ـ مجد : يدرس الأدب العربي ويعشقه شابٌ متدينٌ بعض الشيء يحب الشعر ويكتبه عاموديً ولهو بعض المحاولات القصصية
ـ دنيا : فتاة ٌ جميلة ٌ رشيقة متحررة أو هكذا يظن من حولها تدرس في المعهد العالي للفنون والموسيقا تعشق الإخراج المسرحي وهي مخطوبة لمجد وسيتزوجان بعد إنهاء الدراسة
ـ ميادة : ابنة عم دنيا جميلة ٌ أيضاً صوتها رائع وهي تدرس معي هندسة الكمبيوتر
ـ و وليد : العاشق للفلسفة والهائم بميادة ويدرس علم النفس
أخذنا شراباً مرطباً وخرجنا نتجول في حديقة الجامعة بعيداً عن الكافيتيريا المكتظة كعادتها بالطلاب
يوم رأيتها أول مرة فتاة ٌ استسلمت لمغريات عصرنا التافهة متبرجة ٌ بل بالغة التبرج إلى حدّ ٍ توحي لكِ لوهلة أنها متمردة على رتم الجامعة وعاداتها
فنحن لم نعتد أو لعلنا نرفض التمادي في العري داخل حرم الجامعة المقدس
وأنا نفسي أستهجن تلك الكمية الهائلة من أدوات الماكياج والأصباغ التي تغطي وجهها لتخفي فتناً طبيعياً لست أنكره
كانت ضحكاتها الجميلة تعكس حبها الكبير للحياة فتظهر جوانب من شخصيتها وحضورها اللافتين
لقد أستفذتني من الأعماق مع أن أمثالها ممن ارتضوا العيش على هامش الحياة لسنا يغرينني
حركتني من الداخل فبدأت أراقبها عن كسب محاولاً درس شخصيتها وفي مكنوناتي تتبلور خطوط نص مسرحي ستكون هي بشخصيتها وطريقة حياتها بطلتها
وبينما أنا غارقٌ في دراسة أفكار مسرحيتي اكتشفت أنها ليست سوى إحدى الكثيرات ممن ارتضوا هكذا نوع من الحياة لكنها اعترفت بشجاعة ربما معبرة ً عن ما يجوب في خواطرها من فراغات سياسية واجتماعية ونفسية وحتى دينية مع فقدان القدوة وانعدام الهدف
ولما كانت الحياة تافهة ً إلى هذا الحد في نظر الشباب الذين ينحون نحوها فكان لا بد أن تفرز هذه النظرية طرق عيش أو معاملة تافه انطلاقاً من أن الغاية لن تكون أبداً أسمى من الوسيلة
كتبت النص في أسبوع واحد فقط زمنٌ قياسي لكنه كان بنظري كافياً بعد الدراسة التي أجريتها بمفردي
جرت العادة أني ما إن أنهي مسودة النص حتى تطرح على طاولة النقاش الخماسية فتشبع نقداً بأبعادها الأدبية والفكرية والدرامية والنفسية
لكن الجميع تفاجئوا بالنص الجديد لأنهم أولاً وجدوه فجأة ً أمامها لم يشترك أحدٌ منهم حتى في نقاش أفكاره ولما انتهى الجميع من قراءة النص منفرداً جلسنا في اليوم التالي نناقش الأفكار والشخصيات فاجأني التعليق الأول من ميادة التي قالت : إنها مها
ـ أ تعرفينها
ـ ومن لا يعرف ملكة جمال الجامعة ، ثم أ كنت تعتقد أننا لم ننتبه لملاحقتك إياها واهتمامك المفرط بها كنت أظن أنك أخيراً قد وقعت بالحب " وقهقهت ضاحكة ومعها الجميع "
ـ دنيا : دعنا نقول أنك تحاول ترجمت كارمن بطريقتك إن كانت هذه غايتك فالنص مقبول على فرض أن الكثيرين يعلمون أحداث تلك الأوبريت
أما إن كنت تبحث عن شيءٍ آخر متجرداً عن كارمن الغجرية فللموضوع جوانب كثيرة للبحث درامياً على أقل تقدير
قاطعها وليد قائلاً : أنت تحاول بناء شخصيةٍ محملةٍ بعقدٍ نفسية كثيرة تبدو للمشاهد والمتابع سوية لأنها نتاج مجتمع ٍ فاسد ولكنك يا صديقي وبهذا العرض تبدو كمن يعكس صورة للواقع ربما ولكنك لم تظهر الحلول أو حتى الاحتمالات المنطقية لإمكانية التغيير أو التطور
وافقه مجد وأضاف ذد على ذاك أنك كتبت النص على عجالة من جهة ومن وجهة نظر متحيزة ضدك أنت نفسك إلى حد وصلت فيه للتعاطف مع مها وخلق المبررات لأفعالها
وعادت دنيا لتدلي بدلوها قائلة بعد نقاش ٍ منفرد مع ميادة :
أنت تكتب كمن يوأرخ حياة حبيبته ثم إن النص يوحي لقارئه بالنقص هناك المزيد من الصفحات لتكتمل الفكرة
جاء دوري بالكلام أو الدفاع عن نفسي :
كل ما ورد صحيحاً ولكني يا أصدقائي كنت أريد أن أرسم ملامح الشخصية شخصية مها فحسب الشخصية التي لم تناقشوها بجدية بل آثرتم جميعاً الالتفاف حول المشكلة الحقيقية لإعجابكم بطريقة كتابتها أو لخوفكم من كشف جوانب الضعف فيكم أمام كم السلبيات المبررة في هذه الشخصية
لا أنتظر منكم جواباً ولن ألعب دور الادعاء العام في محكمة الواقع الآن
هذا لا ينفي أني أوافق على جل ما قلتموه ولكن ما قرأتموه لم يكو سوى مسودة رسمت فيها شخصية مها لأرصد ردات فعلكم والتي أتت كما توقعتها تقريباً
أ وتعلموا لماذا .. بكل بساطة لأننا أصدقاء نفهم بعضنا البعض
هاكم النص الحقيقي سأشرحه لكم
تدور أحداث المسرحية في إحدى الجامعات لتوفير كم هائل من الشباب اللائي يمثلوا محور النص البطلة مها بالشخصية التي ناقشتموها تغرم بشابٍ بعيدٍ كل البعد عن عالمه لأنه وبكل بساطة لا يملك الوقت ليفعل ما تفعل لانشغاله بالعمل كي يكسب بعض النقود التي تعينه على مصاريف الجامعة مع أنه يأخذ مصروفاً شهرياً من والده يكفيه أو لعله يزيد عن حاجياته الهامة
ولكنه وانطلاقاً من قناعته بالترفع عن الملذات بالاستغناء ولأنه وجد حلمه مبكراً متخلصاً من لعنة الملل جاد يضع لبنات صرح مستقبله لبنة بعد أخرى
أحبته البطلة لأنه الوحيد الذي لم تغريه بفتها أو بحضورها ولا حتى بغناها
ولكنها ولما احتكت فيه عن قرب بدأت تلمس تفاهة حياتها وحقارة أحلامها أمام طموحاته الكبيرة
فبدأت ترمي عنها أعباء ومورثات ذاك الانتداب الحضاري الغاشم أمام بل تحت أقدامه وهو يومٌ بعد يوم يرتقي بها نحو النجوم بعد أن فرش عليها أغصان سيطرته الفكرية فلم تجد عاداته تقيدها بل تحررها أكثر فأكثر إلى أن تحولت من ملكة الحفلات إلى ثائرةٍ في طابور المنقبين عن الأصول العريقة خلف أكوام الهمبرغر والماكدونالد والوجبات السريعة والمحطات الفضائية الغبية
صفق الأصدقاء للفكرة وأعجبوا بطريقة وتوقيت طرحها بعد أن قرؤوا المسرحية كاملة
وكانت الخطوة التالية هي إقناع مها بلعب هذا الدور وكنت قد استأذنت من مخرجتنا العزيزة وبصفتي رئيس فريق التمثيل في جامعتنا أن أعرض الدور بنفسي مع ثقتي بأنها ستقبل فأمثالها لن يدعوا فرصة الشهرة أن تفوتهم
انتهزت فرصة وجودها وحيدة ـ وقلة ما تكون كذلك ـ واقتحمت خلوتها مستأذناً بالجلوس بعد تعريفها باسمي
تعمدت اقتحام عالمها كقائدٍ عسكري يفرض صولجانه على إحدى محمياته
قد تستغربي هذا التصرف مني وهذا من حقك لكني وعند هذا المحك أردت اختبار معتقداتي منازلناً الواقع الملموس أردت الخروج من تحت نير لعنة الشعارات وشوزافرينية التنظير البعيد
أردت أن لا أكون سطحية التعامل مع افرازات واقع في مجتمع شئت أم أبيت أنا عضوٌ فيه أو بتعبير أكثر توضيح كنت أراهن على ذاتي مع مها فإما أن أقنعها فتتغير أو تفحمني فأتنازل
لذلك يا حلوتي لعبت دور القوي مرتكزاً على مبادئ عظيمة ومتعكزاً على بحر الفنون الذي أدعي أمامها على الأقل أني أنهل منه متى أردت وساعدني على ذلك جو الغموض الذي جعلتها تعيشه في التعامل معي
عرضت عليها الدور دون أي شرح وطلبت منها أن تقرأه بإمعان قبل أن تجيب بالرفض أو القبول
وبعد يومين لا أكثر جاءت تعلن موافقتها غير المشروطة على لعب دور إليسار
فكان الرد المشبع بالغرور مني :
أنت قبلت الدور وهذا منتصف الطريق ولم يبقى أمامنا سوى أن أقبل أنا بكِ كبطلة لمسرحيتي
ـ أ لم تعرض علي الدور لأمثله
ـ بل لذاك فعلت ولكني لا أقبل أن تلعب دور البطولة في مسرحيتي من لم تؤمن بأفكاري
ـ أنت تحاول فرض دكتاتوريتك عليّ وهذا ما لا أقبل به فمن حق كل إنسان أن يكون حر الإيمان بالأفكار التي يرى فيها الصواب
ـ ومن قال غير ذلك لكني لا أريد لك أن تتحولي لدميةٍ جميلةٍ مبرمجةٍ كي تتلاعب على خشبة المسرح بشهوات جمهور محدق العينين مقفل العقل
لست سعد الله ونوس لكني أثق أني يوماً ما سأكون عملاق المسرح العالمي
ـ هذا غرور
ـ ومن قال لكِ أني أدعي التواضع لن أقول لكِ أني حجرٌ في زاوية هذا العالم بل سأقول أنا زاوية هذا الكون المشعة قد لا أكون كذلك ,أنا أعلم أني لست كذلك
إذاً ستقولين لي أنت كاذب
لا لست كاذباً أو مدعي أفاق بل أنا بعض من مدّ شبابيّ فقد الثقة فأثر اقتلاعها اقتلاعاً قالها شيخ المجاهدين مرة ً لأحد أسراه الذين أعتقهم
نحن شعبٌ لا نهزم إما أن ننتصر أو نموت
هل أدركت هذا الكلام أنظري حولكِ جيداً ودققي لعلكي لن تجدي خلف هذه الأوراق الخضراء والسهل الأخضر الممتد إلى ما رأت عينك سوى الهوان و انكسار ثقي تماماً أن الهوان يولد هواناً والانكسار ينبت انكساراً
وإن تهن مرة يهن الهوان عليك وليس لضربٍ في ميتٍ إيلامُ
لذاك قلت لكِ أني زاوية هذا العالم المشعة لأنني أفخر أني لم أهن بعد ولن أهن بإذن الله وهذا نصرٌ يحق لي بعده الفخار والكبر
ـ أنت تهول الأمور
ـ بل أنت تقزيمينها لأنك استسهلت التعامل معها كروتين يومي أو رتم حياةٍ يومية وكما يقول المثل الشعبي / حط راسك بين الروس وأول يا أطاع الروس /
عاودي قراءة المسرحية وعودي لنتناقش فيها بموضوعية أكثر ولكن وقبل أن تمضي تذكري أني لن أفرض عليكِ رأيّ فلكِ أن تخالفيني زاوية الرؤية أو حتى تعارضينني إن أحببتِ
وبعد عدت نقاشات بدأت المفاهيم تتغير معالمها أمام مها وبات أثر التغير وإن كان بطيءً يظهر للمتابع إلى أن طلبت مني أن أعرفها على أصدقائي عن قرب لقد أرادت دخول أو اقتحام عالمنا بعد أن أصبحت عارية ًخارج عالمها الذي أخرجتها منه كما قالت هي
لا أنكر أني أردت لها أن تدخل عليهم على هيئة نصر كبير قد تحقق فتمر منتشية بالغنائم التي تحمل بين خلجاتها
حددت موعداً لمناقشة البروفة الأولى على الطاولة للمسرحية دخلت عليهم تلملم نظرات الشغف من عينيهم
ناقشنا يومها طريقة بلورة الشخصية على هيئة أشخاص هيئاتهم ولباسهم ولكنات حديثهم وطريقته ليحملوا الأبعاد الدرامية والنفسية الأقرب للواقع فطرحت دنيا سؤالاً تختبر فيه مها : كيف ستلعبين دور إليسار
فردت بثقة تعكس إدراكها للموقف الذي وضعتها فيه دنيا : في الماضي كانوا يسمون من يلعب الأدوار على خشبة المسرح / المشخصاتي / ولعلي أظن أنه التعبير الأدق سأشخص الدور وأتقمصه مؤمنة ً بكل ما أمنت به إليسار
وليد : وماذا عن التركيبة النفسية هل درستها
ـ بل عايشتها بين سطور النص وأستطيع الوقوف على احساساتها وتناقضاتها أولاً بأول
ميادة : إذا لم تؤمني بما تقوليه على المسرح ستفشل وتدفعينا للفشل
ـ إذما فشلتم فسوف تفشلون لأنكم ضعفاء وليس لأني أنا فاشلة فالقوة كالضعف تنبع من الجميع لتروي الجميع إن لم تكونوا أقوياء فلن تظهر قوتي أما إن كنتم ضعفاء فسأمضي دون أن أغرق في مستنقع ضعفكم
ميادة : لقد أشبعكِ شادي غروراً
ـ بل قولي ثقة بالنفس
هنا تدخلت أنا وسط ضحكات مجد العالية وتصفيقه :
بالإذن من مخرجتنا علينا أن نعرف أولاً ما هو التمثيل دعوني أعرفه لكم من وجهة نظري :
يعتمد التمثيل في رأيّ على ثلاث مقوماتٍ رئيسة العقل الجسم وجهاز التنفس
العقل وهو الفيصل لأن الممثل يدخل مع المتلقي في لعبة الكذب المتفق عليه
فالمتلقي يعلم أن الممثل الذي يدعي جهله بما سيحدث أو تفاجئه به
لذلك عليه أن يعمل عقله كي يتوصل إلى مصداقية في الأداء توحي للمتلقي أنه أمام مرآة حقيقية تعكس ناصية شارع أو بهو قصر أو ...أو...
والجسم هو الأداة الوحيدة التي يسمح للممثل باستخدامها كما العازف يستخدم الأوتار ليخرج الموسيقى التي في داخله للناس وكما للرسام ريشته
على الممثل أن يوحي للمتلقي أنه حزين أو سعيد أو مضطرب ..
حتى وإن لم يكو يسمع الحوار جيداً وكذا عليه أن يقنعه عن طريق نبرة صوته إن فات على المتلقي بعض المشاهد...
سألت مجد بعد ذاك النقاش على إنفراد لماذا لم يسأل مها أي سؤال فرد ضاحكاً لأنني وبكل بساطةٍ أثق بك يا صديقي
تابعنا الإعداد للحفل وباتت المسرحية جاهزة للعرض في الوقت المناسب فيما استطاعت مها التأقلم مع الأصدقاء بفضل التغير الجذري الذي طرأ على شخصيتها التي اغتنت ونمت شيئاً فشيء بفضل محاور النقاش المتعددة التي وجدت نفسها أحد أطرافه في كثير ٍ من الأحيان
ولكن الشيء الذي حدث لي على غير سابق توقع مني هو ميلي الشديد لمها حتى أني بت أشتاق إليها وأحن لسماع صوتها إن تعذر لقاؤها عليّ ليوم ٍ واحد تجدينني حائراً مضطرباً أسير بغير هدى شارد الذهن
لاحظت ميادة ذاك كما لاحظ الجميع وتنبأت لي الغرق في بحر الهوى
تبين لي ذاك جلياً يوم أطرت مها للتغيب عن الجامعة عدة أيام بداعي المرض
ثلاثة أيام هي الأطول في حياتي والأتعس ربما أيامٌ شعرت فيها أن مها باتت تمثل الهواء الذي أستجدي الحياة منه عزوت تلك الأحاسيس والمتناقضات المتضاربة داخل مكنونات ذاتي إلى نزعة الغرور الموجودة داخل كل إنسان بكوني صانعة تلك الفتاة فما أشعر به ليس إلا انعكاسٌ طبيعي لمرآة الإبداع في ذاتي التي تعكس انتصاري على نفسي من خلال مها
ولكن سرعان ما انهارت كل تلك النظريات أمام أول ضحكةٍ تعلن استقلالها بشخصيتها عن انتدابي الإجباري عليها
إذا لقد وقعت بالحب أخيرا وصار من الواجب علي أن أعترف بذلك وأصارحها به لأستريح وأعرف شعورها نحوي
انتهت الحفل بنجاح ٍ باهر بشهادة بعض المعيدين اللائي حضروه بناءاً على دعوتنا من المعهد العالي للفنون والموسيقا وكنت قد عزمت على مصارحتها بحبي الليلة لكنني جبنت للمرة الأولى في حياتي تخونني الكلمات ويخذلني التعبير
وحدث ما لم يكو منتظراً نهاية العام الدراسي وفقد الفرصة اليومية لرؤية مها وزيدي على ذاك عجزي ربما عن رؤيتها لعدة أيام أو ربما لأشهر العطلة كاملة
كيف فاتني أن أتعرف على عنوانها
لكنها فرصة جيدة لأختبر أحاسيسي جيداً دون مؤثرات وكذا تفعل هي لم يمضي الكثير من الوقت حتى أدركت صدق حبي لها فتوجهت لميادة علها تعينني في تنسيق لقاء مع مها
لا أستطيع وصف كمية الفرح التي ملأت قلبي بل ثنايا جلدي عندما نقلت لي ميادة نفس الرغبة من مها وهمس في أني قائلة
بصراحة لقد ألحت عليّ كثيراً بهذا اللقاء ـ هي تحبك حباً جماً ـ لكني لم أرتضي إعطاءها وعد قاطع قبل أن أسألك وها أنت هنا اليوم تطلب مني ما كنت سأسألك عنه
لقد دعوت مها للذهاب معي ووليد إلى أبو زاد سنكون صباح الغد هناك
أتمنى لك التوفيق
هناك على إحدى أعلى قمم دمشق دنوت منها استلهم من نسائم الربيع وحي الكلمات كنت أرى الشام بآسرها تراقبني تؤيدني تعارضني تشجعني أو تستنكر فعلي ولم أكو أرى سوى ضياء عينيها
لكني كنت قد عزمت أو لعلي أجبرت أن أطلق العنان لمشاعري تغدق شلالاً عليها فإما أن نغرق معاً في بحر الهوى أو يحجز مد البعد بيننا
فقلت لها:
يوم قابلتك أول مرة تعمدت لعب دور المارد الخارق أمامك مدخلاً إياكِ في دنيا الغموض
حدثتك من فردوس عالي ٍ ورميت إليكِ باللآلئ والمجوهرات هنا وهناك لتتلهي بها أو بالتعرف عليها أغدق عليكِ بالأسئلة الكثيرة
حاولت العزف على أوتار الفضول في مكنونات امرأة كنت أريد أن أضعكِ ولو بالقوة على درب حلم ٍ أكبر حتى من أن تحلمين به حملتك إرث مي زيادة وأحلام مستغانمي وكوليت خوري
أ وتعلمين لماذا ..
ـ...
ـ لأنك حينها كنت بحاجةٍ لصدمةٍ كبيرة تظهر عمق الفجوة التي تفصلك عن دورك الحقيقي في هذا العالم
لزلزالٍ يسقط عنك زيف الواقع لتتجردي عن تأثيراته الخاطئة وتتفردي بوجهة نظرك بعد أن تتعرفي على أكبر حد ممكن من الآراء والأفكار
لا أدعي الآن أني فعلت كل ذاك لأجلكِ أنتِ وحدكِ بل لأرضي بعض غروري , غروري الذي جذبكِ لتتبعينني فالعلماء ,الفلاسفة الكبار والعباقرة والقادة العظماء تميزوا بارتقائهم عن عامة الناس ,أحاطوا أنفسهم بهالة من المواقف والأفكار الخارقة التي جعلت منهم أشبه بأساطير تستحق الإتباع
لقد أطلت عليكِ أ ترين هذه المدينة الصاخبة المتناقضة فذاك سهل أخضر تزين بالزهر يناجي ربه وتلك ثورة عمرانية لا تطيق لروحها رقّ وفي تلك الزاوية يحتمي بيت دمشقيٌّ عتيق بالجامع الأموي ويصرخ هي عشقي الأوحد في الأرض هي النبع الذي ينبع منه كل حب أحببته وسأحبه في هذه الدنيا
ما رأيكِ أن تتربعي ملكة ً على عرش الحب فيها وتفردي جناحيكِ لتظليها كعشتار الشرق
هي لكِ مني حبا عشقاً تفرداً إن تكوني معي ..إني أحبك ..إني أحبك .. إني أحبك
صمت وصمتت وكذا صمت كل الكون بلحظة أسوّد كل شيء وبقينا وحدنا كبقعة ضوءٍ تعتلي قمة الشمس
هبطت عليّ سكينة ٌورعبٌ شديدين في آن وتجمدت في أرضي فيما مضت مها تسابق الريح تخترق الظلام
بجسدها فلا تختفي كأن النور يتبعها بل هي النور
أ فراراً مني ...!
و فجأة أشعلت عروقي بالحياة نبضاً يدفعني لأتبعها باسطاً المسافات نحوها
أدركها التعب وكذا فعل بي دنوت منهي ويممت بيدي وجهها نحوي فرأيت حياء العذارة وقد أختصر بعينيها وفرحن جميعاً في ابتسامة ثغرها
فأدركت أني قد انتصرت نعم هو أدق تعبير يصور شعوري آنذاك
فقلت لها : أ اسمي هذا موافقة ً أم أمضي
فعانقتني أه ٍ عانقتني وألقت برأسها فوق كتفي فأحسست بأناملها تتغلغل في ثنايا جلدي لتغني أغنية الحب الأبدية على وقع نبضات قلبي العاشق
وشعرت بخصلات شعرها الأشقر الطويل تحاكي أدق تفاصيلي
أذكر يومها أننا عندما عدنا للأصدقاء نلملم ضحكات الدنيا بثغرينا رأيت الدمعة ترقرق في عيني ميادة وهي تعانق مها مباركة
تتابعت لقاءاتنا وكل شيءٍ ينمو ويكبر كل شيءٍ صار أجمل
كنا ذات مرة وإن شئت الدقة كانت في الحادي عشر من نيسان للعام 1998
نتمشى في حديقة الجامعة كعادتنا فقطفت ورقة مشمش ورسمت عليها قلباً زينته
باسمها أهديتها إياه فما كان منها إلا أن أخذت قلمي لتكتب أسمي داخل نفس القلب وأعادت الورقة والقلم لي
كسرت القلم ولففت الورقة داخله وأنا أقول :
قلمٌ شهد على عهد الهوى بيننا لن يشهد على أحدٍ بعدنا
ثم حفرت له متكئً في الأرض ودفنته
سألتني مها : لما فعلت ذاك؟
ـ قالوا يا حبيبتي أن الحب يهبط من السماء كأعطيةٍ ربانية ولست أعترض على ذاك بل أنا أقول أن الحب الذي فقد ترابطه مع الأرض لابد سيموت
وها أنا أزرع حبنا في أرضنا ,أرضنا الذي أحببنا لينمو ويكبر فيولد أشجاراً وأشجار
لعمري إن أرضاً كالشام تحتضن ذكريات آلاف العشاق بين ذرات ترابها لن تبخل على حبنا بالحماية
ـ أ لهذا الحد تحب الشام ؟
ـ وأكثر تذكرين عندما صارحتكِ بحبي أول مرة قلت لكِ أني أهديكِ الشام كنت يومها أحاول أن أمنحكِ أغلى ما أملك معلناً عن ميلاد مرحلة حياتية جديدة
ـ ولكن يا حبيبي متى ستبدأ مرحلة جديدة أخرى أعني إلى أين سنمضي في حبنا ,ماذا بعد كل هذا الحب ؟
ـ الزواج طبعاً
ولكني متأثرٌ بعاداتٍ أعشقها ليست تكبلني وأبن تركيبةٍ عقائديةٍ ودينية آمنت بها
أعني أني لا أستطيع الارتباط بامرأة لم تدخل بعد بين هلالي معتقداتي ولم تدرك بعد عمق الإيمان بشريعة الله وسنة رسوله الكريم عليه أتم الصلاة وأفضل التسليم
بحلتها وذاك أمرٌ يهمني كما يهم من حولي وبعقلها وجوهرها وهذا ما يهمني أكثر
لقد انتهينا من مرحلة الأحلام اللازوردية والليالي الليلكية نحن الآن وقد ارتقينا في حبنا إلى مستوى الحياة اليومية المعاشة علينا أن نضع النقاط على الحروف
أنتِ طلبتي مرحلة ً جديدة مختصرة ً عليّ المسافات وها هو الأمر بين يديكِ الآن
فلما كان الإسلام قد عرف أن المرآة لابد أن تظهر زينتها فقد حدد لها كيف ولمن تظهرها
الأولى تتبع للزوج لكنها مرتبطة بالثانية أعني لمن ..؟
أكرر لكِ أن الخيار بيدكِ والقناعة وحدها هي ما أريد أما أنا أو....
كانت المفاجئة قاسية أعني دفعها للمراهنة علي وكنت قاسياً جداً أعلم ذلك يا عزيزتي ولكني لم أكو أملك الخيار فلابد أن أطرق بمطرقة الحقيقة على سندان الواقع ليصهر أحدنا أو يتماسك كما الفولاذ مع الطرف الآخر ليصيرا قطعة ً واحدة
مع ذلك لم يحتج الأمر لكثيرٍ من التفكير لدى مها فقد تجاوبت مع طلباتي بسرعةٍ مذهلة فكان من الواجب عليّ حينها أن أقدم على الخطوة الثانية وأتقدم لخطبتها لكنها طلبت مني تأجيل الموضوع حتى نهاية العام الدراسي وهو الأخير لنا في هذه الجامعة فعلت ذاك لأنها تعلم أنني غير مهيأ اقتصاديا للدخول في إلى قفص الزوجية الآن
بعد أسبوع ٍ واحد اتصلت بي وضربت لي موعداً غريبة فالمكان نادي الذكريات لم نعتد أن نلتقي به من قبل والزمان الخامسة والنصف مساءاً أعلم أنها لا تستطيع الخروج من منزلها في ذاك التوقيت
لكني ذهبت وبكامل أناقتي فإذ بها تأتي بسيارة والدها مما زاد الموضوع غرابة فأنا أعلم أنها لا تجيد قيادة السيارة ترجلت من السيارة ـ لم تكو هي التي تقودها ـ تقدمت خطوة ثم ترجل رجلٌ في عقده الخامس يرتدي بزة ً سوداء فخمة ويحمل في يده سبحة ويضع على كتفه عباءة ً بيضاء وفي فمه غليونٌ إنكليزي وعلى عينيه نظارتان سوداوان
عرفته على أنه والدها تشتت أفكاري وسوى الرد المقتضب على بعض أسئلته لم أنبث ببني شفه لكنه كسر جدار الصمت وقطع حبل الحيرة في رأسي لما سألنا هكذا تمضون الوقت ترقبونا أعين بعضيكما
إذاً أنت الذي غير مجرى حياة ابنتي أ تحبها
أحسست بأني في قفص الاتهام فقرت أن أرد بقوة دون أن أسمح له بأن يضعني موضع المدان بتهمة شنيعة وبثقةٍ وحزم قلت له:
أحبها وأنتزع القمر من السماء لأضعه خاتماً في يدها لو تريد
ـ إذن أنت معترف
ـ لا ذنب لي حتى أعترف
ـ أعجبتني أيها الفتى أتجيد قيادة السيارة
ـ نعم
ـ لا بد أنك تعرف عنواننا أنا أحب أن أنام في الساعة الحادية عشرة وأكون سعيداً كل ليلة عندما أطبع على خد ابنتي قبلة النوم
دفع الفاتورة ومضى تاركاً مفاتيح السيارة على الطاولة بعد أن ضرب لي موعداً منفرداً في اليوم التالي
قالت لي مها أنه حاصرها بالأسئلة فأخبرته بكل شيء فأصر على مقابلتي
وفي اليوم التالي وعندما قابلت والد مها قال لي :
أعترف أنك استطعت إحداث آثر غير هين في شخصية ابنتي ولكني أسألك الآن ما الذي ترموا إليه في النهاية
ـ إنه الحب يا سيدي الحب الذي يجعلني أخاف عليها حتى من نفسها حتى نتوصل معاً للاجتماع على مجموعة أسس نبني عليها بيت الزوجية مستقبلاً إن شاء الله
ـ لن نختلف على ذلك ولكني وكما علمت من مها أنك غير جاهز اقتصادياً الآن لتحمل أعباء أسرة
ـ هذا صحيح لكني أعمل وسأتخرج من الجامعة قريبة ولدي مشاريعي التي ستساعدني على تحسين حالة المادية إذا نجحت بتوفيق الله عز وجل
ـ أملك لك عرضاً أفضل من ذلك فأنا سأريحك من أعباء ومصاريف الزفاف لا وبل سأساعدك مادياً وسأمنحك فرصة للعمل في إحدى أهم الشركات الخاصة براتبٍ مغري
ـ أحس من كلامك أنك تعرض علي عرضاً تستجر منه فائدة ً ما فصارحني بما تريد مني بمقابل هذا العرض السخي
ـ أنت ذكي .. وهذا يعجبني ويريحني أنا أتحداك أن تجعل من مها فتاة ً ناضجة
مستقلة بشخصيتها
ـ أنت تدفع بابنتك لتكون حجراً على طاولة الرهان ,اسمح لي سيدي أن أرفض عرضك هذا لأن مها بإنسانيتها أرقى عندي من أن يراهن بها أو عليها
ـ إذا رفضت ستخسر مها
ـ خيرٌ لي من أن أقايض عليها بمبادئي مقابل لفافتي تبغ وفنجان قهوة ساخن
ـ لكن الثمن كان أكبر من ذلك
ـ سيان عندي فالهوان هو الهوان اسمح لي بالرحيل
ـ بل اجلس ماذا تريد؟
ـ قلت لك أريد مها
ـ بشروطي..؟
ـ لا ..!
ـ فإذاً..؟!
ـ ما رأيك أن نغير قواعد الرهان أنا أتحداك بالنجاح فإما أن أنتصر وتقبل طلبي ليدها أو أفشل وأنسحب لأنني لا أستحقها
ـ أنت تحاول التلاعب بالألفاظ فحسب
ـ بل قل أنا أضع النقاط على الحروف لن أقامر بمها بل بنفسي ثم إني قد رفضت بهذا الشكل منحتك
ـ حسنٌ " كل الطرق تؤدي إلى روما " ستخرج الآن لشراء خاتمي خطبة من الفضة وسنجعل الأمر كأنه مفاجئة لمها هذا المساء وستتعامل معها كأنكما خطيبين عاديين ولكن تذكر دوماً أنك ستخضع لامتحان ٍ فاصل يحدد فيما كنت نجحت أم فشلت
ثم إن لي شرطاً صغيرة أن لا يعلم والداك بهذه الخطبة حتى تنجح كي تستفيد من مساعدة أحد ..
تمت العملية كما رسم لها الأب وبدأ مشوار الفرح والحب يمضي بنا وينضجنا يوماً بعد يوم تعرفنا معاً على دمشق من جديد من قصر العظم إلى المكتبة الظاهرية مروراً ببيت جبري ومكتب عنبر ومن الغوطة الخضراء إلى جبال بلودان مروراً ببردى وقاسيون
أنشدتها شعر الماغوط والقباني وأبو ريشة و نجم وتلوت عليها مسرحيات ونوس والرحابنة وروايات مينا والطيب صالح وإحسان عبد القدوس
أدخلتها في عالم جبران وموانئ المتنبي وأبو التمام والبحتري وابن رشد
فيما عرفتني هي على الأدب الروسي وأدخلتني دنيا الموسيقا وعلمتني العزف على البيانو
عشنا ثمانية أشهر هي الأجمل في عمرينا ونحن نتعمق في فهمنا للحب فلسفة لا يستطيع ذا لب الاستغناء عنها في هذا الزمان
انتهت خلاها أعوام الدراسة وبدأت العمل في إحدى الشركات العالمية فيما تزوج وليد و ميادة ورحلا إلى كندا ليعملا هناك بمساعدة خال ميادة العراقي الأصل وصاحب شركة طيران ليست بالصغيرة هناك
إلى أن جاء الحدث الذي جعل من هذا العام الأسوأ بالنسبة لي ففي اليوم الثالث من العام الجديد دعاني الأب لتناول القهوة في المطعم الدوار وطلب مني أن أكون وحيداً
وهناك وبينما نحن نحتسي القهوة وصلت مها لتتفاجئ بوجودي شانها شأني ولمحت في عيني ذاك الرجل الغريب الذي أنفق معظم عمره في أوربة الشرقية يدرس طب الأعشاب مؤامرة من نوع ٍ ما تحاك لنا أو لي بالتحديد
وكعادته أستبق الأحداث وسارع لتوجيه اللكمات المفاجئة لخصمه فقال إياي :
اشرب نخب الانتصار لقد فزت يا صغيري مبروك ألف مبروك
تدخلت مها باستغراب عن أي انتصار تتكلم يا أبي ولماذا تبارك له
ضحك الأب ضحكة ً عريضة ثم قال: إذاً أنت لم تخبرها لا بأس فقد فزت بها وقريباً ستحدثها عن كل شيء
صرخت به توقف عن هذا الهراء
لكنه تابع مخاطباً مها هذه المرة : لقد تراهنت مع خطيبك على أن يجعلك على هذه الهيئة وقد نجح
هيا يا ابنتي واذهبي معه لأنكِ كنت محور الرهان والجائزة
ثارت ثائرة مها وانطلق توزع عبراتها على نسمات الريح القوية تخترق عباب المطر الغزير وذاك الرجل البارد كالجليد يكمل قهوته ببرود
صرخت به قتلتها وقتلتني وانطلقت خلف مها أنده عليها فيضيع مني الصوت في عتمة الليل
بعد عدت محاولات استطعت أن أقنعها بأن تسمع دفاعي عن نفسي لكنها انهالت عليّ بالاتهامات جلدتني بسياط الذنب فأوجعت مني كل نقطة دم في عروقي
قالت فيما قالت:
أنت الذي ما برأت تحدثني عن الصدق وتتشدق أنك لست بكاذب أنت الذي رسم لي الدنيا بألوان ٍ وردية وقلت لي أن الإنسان كرامة
ماذا كنت تريد مني أ كنت تريد أن تطارحني الهوى على فراش الشهوات
كنت رخيصة ً إلى هذا الحد بنظرك ليتني لم أرك أبداً أيها ....أيها..
لكني استطعت وبمساعدةٍ من دنيا إيصال ردي ومبرراتي لها إلى أن وافقت على أن نلتقي
هناك وفي حرم الجامعة وتحت شجرة المشمش التي شهدت ولادة لحظات التوهج في حبنا وأظلت أحلامنا وصلت مها وأول ما لفت انتباهي هو أنها خلعت خاتم الفضة من يدها
شرحت لها أني لم أقبل المقامرة عليها بل ثرت لمبادئي ولحبي ولم أتنازل عن قيد أنملة من احترامي لها كامرأة
أقسمت لها برب الهوى وعشقي للشام أنني صادق فصدقتني وأراحت رأسها على كتفي تبكي وأبكي ألبستها الخاتم من جديد ثم انطلقنا لوالدها
لكنه ورغم كل الحجج التي واجهناه بها رفض أن يبارك حبنا متذرعاً بأني قد فشلت بالامتحان
لم تقنعه حتى رؤيتنا معاً بعد ذاك الزلزال لم نتزحزح عن ثقتنا ببعضنا و بحبنا
ولا حتى شهادة مها وتوسلاتها حركت فيه شعرة
كررنا المحاولة غير مرة إلا أن الرد كان نفسه يقول لا ويختفي بدخانه
إلى أن قررنا أن نعقد قراننا وحدنا في أحد المحاكم الشرعية لنضعه أمام الأمر الواقع عله يلين
ولكن الأقدار شاءت لنا أن نتوجه إلى شيخ ٍ فاضل عارف بالدين ما إن هم بعقد القران حتى سأل عن وكيل العروس فقالت أنها وكيلة نفسها وقد بلغت السن الذي يسمح به القانون منذ مدة لكنه رفض وكالتها عن نفسها بدعوة أنها غير جائزة بوجود الأب على قيد الحياة وفي مكان يمكن أن يسأل فيه عن رأيه هذا بعد أن يكون متمتعاً بقواه العقلية
تلك شروط الشرع كما قال ولما سألناه ماذا لو عارضت البنت أباها وعقد قراناً على شابٍ رغماً عنه
صعقنا لما أجاب : تكون زانية لأن لا نكاح بدون وكيل , وكل ما بنيّ على باطل فهو باطل
وجاءنا الجواب مكرراً عندما استفتينا أكثر من شيخ وأستاذ عارف ٍ بأمور الدين
أدركت لما جربت مع والد مها أخر محاولاتي أنه أراد أن يستخدمني في لعبة قذرة يخرج منها وحده فائزاً بغض النظر عن مشاعرنا جميعاً
قال لي لما أختلونا ببعضنا : أنا كنت أريد أن أجعل من ابنتي سيدة مجتمع ٍ راقية وأنت جئت لتحقق لي هذا الحلم وقد فعلت وانتهت مهمتك ويبقى أن أقول لك شكراً
أما بالنسبة لتجربة الحب ستنساها لتكون درساً ينفعها في المستقبل
ما حدث كان فوق مستوى تفكيري خصوصاً لما جاءت الطامة الكبرى عندما أجبرت حبيبتي على الرحيل مع والدها إلى إيطاليا رغم مرضها فلولا وقوف مجد إلى جانبي في تلك اللحظات لقضيت ربما هما وكمدا دام الأمر عدة اشهر حتى استطعت وبفضل الله أولاً وإيماني مع مساندة مجد و دنيا لي أن أخرج من دائرة الكآبة واليأس لأعاود حياة اليومية دون أن أتخلص من رواسب تلك التجربة القاسية في نفسي
عرض عليّ أواخر نيسان من نفس العام عقد عملٍ لصالح الشركة التي أعمل بها وترك لي مهلة شهر للتفكير
لقد رفضت ذاك العرض رغم أنه سيغدق علي بالكثير من المال الذي سيعينني على صنع المستقبل
ولكن وفي العشرين من شهر أيار اتصل بي مجد يطلب مني مرافقته إلى السوق ليبتاع بعض الملابس ليوم زفافه القريب
كان كثير الشرود وهو يحدثني عن دنيا وعن أحلامه معها واصفاً حبه الكبير كان يتكلم وأتذكر أنا مها وأخفي في الجوف حرقة ً ودمعة
اشترى ساعة ً ذهبية ليهديها لدنيا فيما لفت انتباهي عقد جميل فزعمت أني سأشعل سيجارة ثم أتبعه لأستغل الوقت وأحجز ذاك العقد ليكون هديتي لهما في حفل الزفاف أخذني الشرود أتخيل حفل الزفاف إلا أن هذه اللحظات الجميلة سرعان ما قطعت برؤية مجد وقد صدمته سيارة ٌ مسرعة لترفعه عن الأرض أكثر من مترين نحو الطريق المعاكس قبل أن تستقبل حافلة صغيرة حاول سائقها الوقوف لكنه فشل عندما تفاجئ بمجد يلتصق بمقدمة الحافلة قبل أن ينحدر تحتها
صرخت : رحماك يا ربي
وانطلقت أدفع الجموع المتجمهرة وضعت يداي تحت صديقي ورفعته لأرى عينيه وقد تعلقتا بالسماء حاولت هزه ملقماً إياه الشهادة ،الشهادة التي عجز عن إكمالها
وفجأة ً أحسست بجسمه يفقد حرارته ويثقل رأسه فوق صدري , جاءت سيارة الإسعاف ورفعه الطبيب إلى الحمالة فوجدت يداي وقد صبغة بدم صديقي حتى المرفقين
توجهت إلى المشفى رفقة مجد وهناك وبعد الفحص خرج الطبيب يسألني :
هل أنت أخوه
ـ بل صديقه ومثل أخوه
ـ أقصد هل تربطك به رابطة دم
ـ وهل تريد رابطة ً أقوى من دمّه يغرق ذراعي
وضع الطبيب يده على كتفي وقال :
اهدأ يا بني و استعوض الله في صديقك فقد استرد أمانته
" لم أدرك ما قاله الطبيب كأن عقلي قد غيّب عن الوعي فبدأت أصرخ بوجهه بصوتٍ جرحته العبرات إن كان بحاجة للدم فخذ ما تريد ولكن لا تدعه يموت
أرجوك .. أرجوك..
وخارت قواي لكني ما لبثت بالنهوض لأتهجم على الطبيب متهماً إياه بقتل مجد وبعجزه عن مساعدته حتى أني سرقت مشرطاً طبياً محاولاً قتله ولما عجزت عن ذلك أمام تكاثر الموجودين عليّ فحاولت قتل نفسي متوسلاً لهم بأن يتركوني أقيم الحد على نفسي لأنني قتلت صديقي عشيت زفافه بإهمالي
لكني غبت عن الوعي بعد أن حقنت عنوة بحقنة مهدأ
وعندما استعدت وعيّ بعد ساعتين مفزوعاً لما رأيت من كوابيس استعيد فيها ذاك المشهد اللعين
انطلقت إلى غرفة مجد فوجدته وقد أراح لله جسده المرح حاول أحد عناصر الشرطة القائم على الحراسة منعي من الدخول إلا أن الضابط أمره بتركي بعد طلب الطبيب منه ذلك وهو يصف له ثورتي عند إسعاف المرحوم
وما إن أراح الرجل يده عني حتى دفعته ليسقط على الأرض منطلقاً بأقصى سرعتي نحو السرير ولكني وقبل أن اصل إليه أحسست بقواي تنهار وأقدامي تفقد القدرة على حملي
فزحفت على ركبي نحوه ورفعت الرداء الأبيض عن وجهه ثم عانقته وأنا أبكي
سائلاً إياه أن يصفح عني ثم قرأت الفاتحة على روحه و أستعوضت الله عز وجل به وأنا أقلب كفاي وخرجت من الغرفة أجر ذيول الحزن و الأسى ورائي
اعتذرت من الطبيب على ما فعلت وما تفوهت به عن غضب , الطبيب الذي هون علي وربّط على كتفي وهو يدعوني رفقة المحقق إلى مكتبه
وهناك وبعد أن قام المحقق بإقفال المحضر الرسمي بسماع شهادتي عهد لي بمهمة إبلاغ أحد أقرباء مجد بتلك الفاجعة لإتمام إجراءات الدفن
اتصلت بخال مجد وهو شابٌ في أوائل العقد الثالث من السنين طلبت منه أن يقابلني عند المدخل الرئيسي لمشفى الحياة إلا أنه أبى أن يترك فراشه في هذا الوقت المتأخر دون أن أعطيه مبرراً قوياً لذلك
كنت لا أزال أصارع ذاتي مكابراً على جرحي لكني استفزني ببروده فنقلت له الخبر المؤسف محملاً بعبرات الأسى
دقائق معدودة كانت كافية لوصول فياض إلى المشفى بلباس النوم ولما تأكد من صحة الخبر وبعد إتمام الإجراءات كانت الساعة قد دخلت على الثانية صباحاً
وضعنا المرحوم بالسيارة قاصدين منزله وفي الطريق تكشفت أمامنا معضلة كبيرة
من سيخبر والدة مجد بنبأ الفاجعة ربما لم أخبرك يا عزيزتي أن مجد هو أحد ثلاث أخوة فقد الأكبر منهم حياته في مجزرة قانا منذ أربع سنوات حيث كان يعمل في الهلال الأحمر الدولي وأصغر لم يبلغ من العمر إلا السنوات العشر
والأب أختار الاغتراب حلاً لمشاكله المادية أما الأم تلك السيدة الفاضلة الحنون جداً لم تزل تحمل في قلبها ذكرى غصة مزقت أحشائها كأي أم ٍ ثكلى على بكرها
أما ماخلا ذاك من أقارب فلا أخوال له سوا فياض وأعمامه يسكنون في إحدى مناطق إدلب المتطرفة
رفض فياض تولي المهمة قائلاً أنه لن يستطيع رفع عينه في عين شقيقته بعد ذاك إن فعل وتمنى عليّ القيام بتلك المهمة حيث أن أم مجد تكن لي معزة ًخاصة
وتعاملني دائماً كولدها
رفضت بادئ الأمر وأجلنا البت بالنقاش لنحمل المرحوم إلى الطابق الثاني حيث يسكن فياض بالقرب من شقة شقيقته
مددناه على السرير ليبدوا كأنه نائم ولم أزل أنا على عنادي ورفضي إلى أن سمعنا صوت قرع جرس المنزل نهض فياض يلتمس من بالباب فإذ بشقيقته تسأله إن كان مجد نائمٌ عنده
لم يجرؤ على أن يقول لها حتى نعم لاحظت ارتباكه الشديد وهو يقول لها أنه ربما أطال السهر عندي فخلد للنوم كعادته
ضحكت الأم المسكينة متوعدة ً أن تؤنبه أشد تأنيب في الصباح كيلا يشغل قلبها عليه مرة ً أخرى
أدركت في تلك اللحظة صعوبة أو استحالة قيام الأخ بتحطيم قلب شقيقته مرة ً أخرى
وأمام إلحاح فياض ولعلمي أنها لابد ستعلم لأن إكرام الميت دفنه ولن تنتظرنا الجثة كثيراً قبل أن يناديها الحنين إلى مثواها الأخير
قام فياض بالإيعاز إلى الأب بالعودة حالاً لأن ولده قد أصيب بحادث سيارة وهو في وضع ٍ حرج يستدعي قدومه حالاً
بينما كنت أقرع الجرس على الأم فتح لي محمود الصغير الباب وأدخلني إلى الصالون
دخلت علي الأم تحمل القهوة مرحبة ً بي ولم تخفي استغرابها لهذه الزيارة وفي هذا الوقت المتأخر من الليل
قالت لعلك جئت تلتمس العذر لصديقك لأنه تأخر خارج المنزل لا تتعب نفسك يا بني لن أصفح عنه حتى يعدني أن لا يعاود الكرّه مرة ً أخرى
هيا قم وأحضره فإذا وعدني سأصدقه
وضعت فنجان القهوة قبل أن تلاحظ الأم المسكينة إرتعاشت أصابعي ذهب بي الشرود وأنا أحاول ترتيب أفكاري فكرت بهذه الابتسامة الجميلة و أين ستذهب بعد حين
تضاربت الأفكار في ذهني بل تشاجرت حتى كدت أفقد صوابي ولكن ولما لم يكن أمامي خياراتٌ أختار بينها
استجمعت قواي مستنجداً بكل ما حباني إياه الله من بلاغة قلت :
في جعبتي كلامٌ يجب أن أنقله لكِ سيدتي ولكن وقبل ذاك دعيني استند على ما أشعر به من ودّ ينبع منك نحوي ومنطلقاً من الحيز الذي أشغله في قلبك الكبير
ـ مثل ولدي و الله فقل إلى أين تود أن تذهب بعد هذه المقدمة
" إنها تزيد الأمر صعوبة "
ـ ماذا لو جئت أودع لديك أمانة ً أ تقبليها ثم إذا عدت أطلبها لا أراكِ عني تمنعيها
ـ تكلم يا ولدي فقد طيّرت قلبي من صدري
ـ حسناً هذا حالكِ معي وأنا الذي أقبع في إحدى زوايا القلب فما قولكِ لو جاء من زرع الحب والحنان في قلبك يلتمس ما استأمنكِ عليه
ـ ماذا تريد أن تقول... الموت.. " و حدقت بي بعيون ٍ كادت أو لعلها مزقت كياني أشلاءً لم أعد أشعر بأي شيء وفكرت بالتراجع جبناً أو شجاعة ً سيان الآن فقد أهتز أمامي كل شيء " لكن الأم الحائرة سدت بوجهي سبل الهرب وهي تهزني بعنف ممسكة ً بكتفي وهي تصرخ بي :
تكلم هيا قل لي أن علي بخير قل لي أن أبو المجد لم ...
" حركت رأسي نافياً "
هو فياض إذاً " قالتها وهمّت واقفة بينما بدأت أدرك أنا أني على شفير هاوية الانهيار تحت ضغط الخيارات الضيقة لكني قررت وبسرعة أنه خيرٌ لها أن تعلم الآن من أن تفاجئ بولدها ممدداً على سرير الموت "
ـ بل هو مجد
صمتت وصمت كل الكون من حولي وأطبقت جدران وسقف الغرفة على صدري
لحظات قصيرة طويلة انتهت بصرخة هزت المبنى المؤلف من ست طبقات بل هزت العالم
مجد ..مجد ولدي حبيبي
دفعتني بقوةٍ لم أعهدها بامرأة وتوجهت نحو شقة شقيقها لتدخل غرفة النوم وترى ولدها وقد فارق الحياة
أنكبت عليه تقبله بشوق ٍ كبير وتغسل وجهه بدموع الحرقة الحزينة ـ لا تزال كلماتها تهدر في مسامعي إلى الآن ـ
ولدي حبيبي قم دنيا تنتظرك كيف استطعت أن تترك دنيا تترك الدنيا أرجوك يا ولدي لا تثكل قلبي مرة ً أخرى
أنت حياتي لا تجعلني أموت بعدك يا رب لماذا أخذته وتركتني لمن تتركني بعد ابني
ها أنت يا رب تصفعني تفجعني بولدي الثاني أي ذنبٍ اقترفته يداي لتنزل بي هذا العقاب القاسي إن كنت لا تريد لي الحياة فلماذا لا تسلب هذه الروح المعذبة من صدري
" ما برحت على حالها حتى بدأت تقول ما لا تعيه ولم تتوقف إلا عندما رفع المؤذن صوته منادياً لصلاة الفجر "
دخل فياض عليها ليهدأ ها فوجدها وقد أغشي عليها فتساعدنا في حملها إلى بيتها بينما تطوع أحد الجيران بإحضار الطبيب
طلعت الشمس علينا ونحن نقلب كفينا عاجزين عن فعل أي شيء سوا البكاء ومواساة بعضنا وفي هذا الوقت وصل والد مجد من قطر لتلقى الخبر من ولده ماجد
توجه مباشرة ً نحو الغرفة التي تجنبت الاقتراب منها مبتعداً على مشاهدة مسرحية كل التي سلفت
لكن الأب الذي تحلى بالحكمة وهو يدخل على ولده يستعوض الله عز وجل في ما أخذ
رفع الغطاء عن وجهه وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم إنا لله وإنا إليه لراجعون وقرأ الفاتحة على روح المرحوم
ثم توجه نحونا يمسح دموعه ويسأل فيما إذا كنا قد أتممنا إجراءات الدفن
كان جوابنا بالنفي طبعاً
طلب من فياض دعوة الأقارب للمشاركة في مراسم التشييع فيما يعد هو للجنازة بدأت حلقات الحصار الأسود تضيق حولي حتى استحكمت ففي كل ركن ٍ لي ذكرى مع حبيبة رأيت الدنيا من خلالها يوم كنت أضع أول لبنات شخصيتي وفي كل زاويةٍ وكل شارع أذكر لحظة ود ووفاء حزنٌ وفرح
أحلامٌ ضيعنا سني شبابنا الأجمل نحلم بها رحيل مجد أحدث شرخاً عميقاً في ذاتي أدركت مداه يوم أفل وليد عائداً من حيث آتى بعد أن همس في أذني أن لا أحاول السباحة في بحر الذكريات ضد تيار الأيام التي ستعدو ربما من فوقي إن استطع الصمود
كان عرض السفر الذي رفضته قبل أيام لا يزال قائماً فانتهزتها فرصة للابتعاد عن الأجواء المشحونة بالحزن لعلي وهناك في بلاد الاغتراب أستطيع استعادة ثقتي بنفسي وتفاؤلي بالحياة
واجهت معارضة ً شديدة من والدتي خصوصاً بادئ الأمر ولكنها وبفضل مساندة أخي هادي رضخت ووافقت على سفري
خرجت من الشام ولم أخرج من أحزاني لم أخرج من غربتي بفقد حبيبتي وأصدقائي بل حملتها معي تاركاً حنان الوطن الدافئ لأسوح على أرصفة البرد في أسبانيا
صمت الضعف في رجلٍ هدته الأيام مبكراً صمتت القوة صمت كل شيء وسيطرت الوحدة على ذاتي فرحت أنغمس في العمل ما استطعت متجنباً أن أكون وحدي مع ذكرياتي بت أخاف من وسادتي والضوء الأزرق الخافت في غرفة نومي
وجدت مقهى دمشقي في قرطبة العرب فرحت أتردد عليه استنشق رائحة الشام من بين حبات الفول المدمس إن شئتِ
كنت أقضي الكثير من الساعات هناك أسمع فيروز الشرق مبحراً في ذكريات سويعات العشق التي أبتلعها القدر زمناً ولم يمسها حقيقة
وحيداً لم أجرب حتى التعرف على أحد رواد المقهى من العرب أو السوريين
كنت أسمع تعليقاتهم التي تصفني بالغرور والتعالي لكني لم أكو أحاول الدخول في أي جدل مع أحدهم
يومٌ ربيعيّ ٌ هادئ هدني فيه التعب بعد خمس ساعات قضيتها في شوارع غرناطة أمشط أروقت الطرقات جلست لمقعد خشبي في أحد القصور العربية الأندلسية العتيقة
فإذ بهر هرم يتمسح بي يدخل في معطفي طالباً الدفء ويخرج ـ يبدو أن له جدوداً عربية يشتم رائحتها في جسدي ـ
استفزني شابٌ يستند على حائط ارتفعت عليه لافتة تعرف عن القصر بأنه كان مسكن السلطان المنصور مؤسس دولة الموحدين في القرن الثالث عشر فبدأت أفتش بين الجدران بعيني عن ابن رشد لعلي أجده يخرج بتهافت الفلاسفة من شقوقها
كان الشاب يقف مستنداً على العود تقدمت نحوه وطلبت منه أن يقرضني عوده لدقائق
كلمته بالعربية ورد عليّ بالفرنسية بلكنة تبدو مغربية المهم أنه لم يرد طلبي
أخذت العود أغلقت عيني ورحت أعزف وأعزف..
رغم أن صوتي لم يكو شجياً إلا أني وجدت نفسي أغني
بين ريتا وعيوني بندقية
والذي يعرف ريتا ينحني ويصلي لآله العيون العسلية
وأنا قبلت ريتا عندما كانت صغيرة
وأنا أذكر كيف التصقت بي وغطت ساعدي أحلى ضفيرة
وأنا أذكر ريتا كما يذكر عصفورٌ غديره
بيننا مليون عصفور وصوره
ومواعيد كثيرة أطلقت ناراً عليها بندقية
بين ريتا وعيوني بندقية
والذي يعرف ريتا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
برق سحابة لم تمطر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» برق سحابة لم تمطر الجزء الاخير
» برق سحابة لم تمطر الجزء الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ابـــــداعــــــــاتـــــــنــــــــا :: الروايات والقصص-
انتقل الى: