بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ............
هذه الآية الثانية التي اخترتها لكم من كتاب الأستاذ الفاضل د . عبد الكريم بكار من كتابه ( في إشراقه آية ) :
( و إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط )
تشعر أمة الإسلام اليوم بغربة حقيقية بين الأمم المعاصرة ، وهذا التميز والتأبي على السير في ركاب القوى العظمى جر عليها ضغوطا أدبية ومادية هي أكبر مما نظن بكثير .
إن أدبياتنا تعلمنا أن الأسلوب الصحيح في مواجهة ضغوط الخارج وتحدياته لا يكمن في التشاغل بالرد عليها وإنما يتمثل بالانكفاء على الداخل بالإصلاح .
والآية الكريمة التي نحن بصددها معلم بارز في التأصيل لهذا الانكفاء ، ولعلنا نفتبس من الدوران في فلكها الأنوار لتالية :
1. إن المتتبع للمنهج القرآني يجد أن ما ذكره القرآن من أسباب انقراض الأمم السابقة واندثار حضارتها ، لا يعود أبدا إلى قصور عمراني ، أو سوء في إدارة الموارد واستغلالها ، وإنما يعود إلى قصور داخلي يتمثل في الإعراض عن منهج الله عز وجل .
2. ترمي الآية الكريمة إلى تدعيم ( الذاتي ) مقابل ( الموضوعي ) ، إذ تعلم المؤمن أنه إذا ساءت الظروف فإن عليه أن يحسن من ذاته . لم نكن على مدار التاريخ نمتلك الوعي الكافي بهذه الحقيقة ، فبدل أن نلجأ إلى التربة والتوجيه والتعاضد والتراحم واكتساب عادات جديدة واقتلاع المشاكل من جذورها ، كنا نواجه التفسخ الاجتماعي والانحراف السلوكي بأمرين : القوة ، ومزيد من القوانين ، لكن الجزاءات والعقوبات هي أشبه شئ بالتدخل الجراحي ، فهو آخر الحلول . والعقوبات الرادعة وجدت لمن فاتتهم التنشئة الاجتماعية القويمة ، والعقوبات لا تنشئ مجتمعا لكنها تحميه . فآيات الأحكام – والعقوبات جزء منها – لا تشكل أكثر من عشر آيات القرآن الكريم ، أما الباقي فكان يستهدف البناء الايجابي للإنسان من الداخل . إن الآية الكريمة تعلمنا مرة أخرى أن النصر الخاص يسبق النصر العام ، وأن الأمة المنتصرة على أعدائها هي أمة قد حققت نصرا داخليا أولا .
3. النص الكريم هنا يوجهنا إلى أمرين الصبر والتقوى . ويعني الصبر احتمال المشاق والديمومة في تأدية التكاليف الربانية ، لأن ذلك نصف النصر ، إذ أن نصف النصر يأتي من جهودنا ، وقبله من توفيق الله تعالى لنا .
والنصف الثاني يأتي من أخطاء أعدائنا ، إن من المهم أن ندرك أن ثمة أوضاع كثيرة لا نستطيع أن نفعل حيالها شيئا الآن ، لكن إذا قلنا ماذا نستطيع أن نفعل خلال عشرين عاما ، فسوف نرى أننا نستطيع أن نفعل أشياء كثيرة جدا . أما التقوى فتعني هنا بصورة أساسية : نوعا من الحصانة الداخلية من التأثر بالظروف السيئة المحيطة ، إذ أن الظروف القاسية محدودة الضرر ما لم تؤثر في المبادئ والأخلاق والنفوس والسلوك ، بل أنها تصلب روح المقاومة ، وتكسب الخبرة ، وتحطم هيبة العدو في النفوس .
4. إن المفهوم الأساسي للصبر والتقوى هنا : هو تهذيب الذات وتدعيمها بالمزيد من الالتزام الصارم ، ومواساة بعضنا البعض ، والحفاظ على رأس المال الوطني ، والاقتصاد في الاستهلاك ، واكتساب عادات جديدة من نحو تكثيف القراءة الجيدة ، والنظر للمستقبل بعقل مفتوح ، والتخلص من أكبر قدر ممكن من العادات السيئة مثل عدم الدقة وخلف الوعد وتأجيل أعمال اليوم إلى أوقات أخرى .
د.عبد الكريم بكار