مقتطفات من كتاب رأيت رام الله:
"ها أنا أمشي بحقيبتي الصغيرة على الجسر، الذي لا يزيد طوله عن بضعة أمتار من الخشب، وثلاثين عاماً من الغربة… كيف إستطاعت هذه القطعة الخشبية الداكنة أن تقصي أمة بأكملها عن أحلامها؟ أن تمنع أجيالاً بأكملها من تناول قهوتها في بيوتٍ كانت لها؟"
"الغربة كالموت، المرء يشعر أن الموت هو الشئ الذي يحدث للآخرين، منذ ذلك الصيف أصبحت ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائماً سواي."
"في ظهيرة ذلك الإثنين، الخامس من حزيران 1967 أصابتني الغربة."
"أليس طريفاً وغريباً أننا عندما نصل إلى مكان جديد يعيش لحظته الجديدة نروح نبحث عن عتيقنا فيه؟ هل للغرباء جديد؟ أم أنهم يدورون في دنياهم بسلال ملأوها ببقع الماضي، البقع تتساقط لكن اليد لا تسقط سلتها"
"لم نطل الحديث، أطلنا الصمت، لأن الصمت كان في مقدورنا نحن الإثنين"
"أي حب ونحن لا نعرف المحبوب؟ ثم لماذا لم نستطع الحفاظ على الأغنية؟ ألأن تراب الواقع أقوى من سراب النشيد؟ أم لأن الأسطورة هبطت من قممها إلى هذا الزقاق الواقعي؟"
الإحتلال خلق أجيالاً بلا مكان تتذكر ألوانه ورائحته و أصواته…
الإحتلال الطويل خلق منا أجيالاً عليها أن تحب الحبيب المجهول، النائي، العسير
الإحتلال الطويل إستطاع أن يحولنا من أبناء “فلسطين” إلى أبناء “فكرة فلسطين""
"ها هي تكاد تفتح القوس الواسع الذي ستضع فيه ثلاثين عاماً من العمر، وتغلق عليه قوساً آخر بحيث تضع كل غربتي بين قوسين"
"سخيف أن تطرح في مسقط رأسك أسئلة السياح: من هذا وما هذا… إلخ… أليس كذلك؟"
"كنت دائماً من المقتنعين بأن من مصلحة الإحتلال، أي إحتلال، أن يتحول الوطن في ذاكرة سكانه الأصليين إلى باقة من “الرموز” إلى مجرد رموز الإحتلال تركنا على صورتنا القديمة، وهذه هي جريمته إنه لم يسلبنا طوابين الأمس الواضحة، بل حرمنا من الغموض الجميل الذي سنحققه في الغد"
"أمر محير و غريب، كل العودات تتم ليلاً، وكذلك الأعراس و الهموم و اللذة و الإعتقالات و الوفيات و أروع المباهج… الليل أطروحة نقائض"
"ثرثرنا أعمارنا المتفرقة في البيوت التي إنضمت في تلك الليلة لتصبح بيتاً"
"أنت لا تبتهج فوراً بمجرد أن تضغط الحياة زراً يدير دولاب الأحداث لصالحك أنت لا تصل إلى نقطة البهجة المحلوم بها طويلاً عبر السنوات وأنت أنت إن السنوات محمولة على كتفيك، تفعل فعلها البطئ دون أن تقرع لك أية أجراس"
"كانت كل عودة مؤقتة تكمل النصف الثاني من الجملة… فالغربة كلها شبه جملة… الغربة شبه كل شئ"
"علاقتي بالمكان هي في حقيقتها علاقة بالزمن أنا أعيش في بقع من الوقت بعضها فقدته وبعضها أملكه لبرهة ثم أفقده لأنني دائماً بلا مكان إنني أحاول إستعادة زمن شخصي ولى لا غائب يعود كاملاً لا شئ يستعاد كما هو"
"الغربة لا تكون واحدة، إنها دائماً غربات… غربات تجتمع على صاحبها وتغلق عليه الدائرة، يركض والدائرة تطوقه… عند الوقوع فيها يغترب المرء “في” أماكنه و “عن” أماكنه، أقصد في الوقت نفسه… يغترب عن ذكرياته فيحاول التشبث بها، فيتعالى على الراهن والعابر… إنه يتعالى دون أن ينتبه إلى هشاشته الأكيدة… فيبدو أمام الناس هشاً و متعالياً، أقصد في الوقت نفسه يكفي أن يواجه المرء تجربة الإقتلاع الأولى حتى يصبح مقتلعاً من هنا إلى الأبدية"
"الممسوس بالشعر أو بالفن و الأدب عموماً إذ تحتشد في روحه هذه الغربات، لن يداويه أحد منها حتى الوطن"
"أحاول أن اضع الغربة بين قوسين، وان اضع نقطة اخيرة في سطر طويل من حزن التاريخ..ولكنني لا ارى الا الفواصل
أريد رتق الازمنة معا،اريد وصل لحظة بلحظة، وصل الطفولة بالكهولة، وصل الحاضرين بالغائبين والحضور كله بالغياب كله، وصل المنفى بالوطن،وصل ما تخيلته بالذي اراه الان..
اننا لم نعش على ارضنا ولم نمت معا"
"أصيبت رزنامتنا بالعطب وتراكم الاوجاع طبقة فوق طبقة حتى اصبح الزمان الفلسطيني نفسه اضغاثاً من النقائض والفكاهات التي لها طعم العلقم ورائحة الانقراض"
"كأن الرقم 67 شاخ منذ ولد في ذلك الاثنين الخامس من حزيران
الاثنين الغابر، المقيم، الذاهب ، العائد، الميت، الحي
رقم تجمد عند شكله الصحراوي الاول..شكله الرهيب
كأنه ليس رقما بل تمثال من الشمع لرقم، تمثال من الجرانيت ، من الرصاص، من الطباشير التي لا تمحى عن اللوح الاسود في قاعة سوداء"
"لم تكن هناك فجوة من الدقائق ولا حتى من الثواني بين الفعل ورد الفعل، بين الاذن والخطو..رأيت مجتمعا كاملا ينتشر في الشوارع في لمح البصر"
"تمكنت من المثول امام ايامي، وجعلت ايامي تمثل امامي...ألمس تفاصيل منها بلا سبب، ثرثرت لنفسي عمرا كاملا وزواري يحسبونني صامتا"
"على المخدة لملمت النهارات والليالي ذات الضحك، ذات الغضب، ذات الدموع، ذات العبث وذات الشواهد الرخامية التي لا يكفي عمر واحد لزيارتها جميعا من اجل تقديم الصمت والاحترام"
"كأن من المستحيل التشبث بمكان، لان لأن ارادتي تصطدم مع ارادة صاحب المكان
ارادتي انا هي المعرضة دائما للانكسار...أنا لا اعيش في مكان أنا اعيش في الوقت..."
"في لغتنا نحن المنفردين بنعمة الضاد اصبح مألوفا ان نقرأ المأساة والملهاة في الصفحة ذاتها، في الواقة ذاتها ، في الاتفاقية ذاتها، في الخطبة ذاتها، في الهزيمة والنصر، في العرس والجنازة، في الوطن وفي المنفى، ىوفي ملامح وجهنا الواحد كل صباح"
"الآن أمر من غربتي إلى...وطنهم؟ وطني؟ الضفة وغزة؟ الاراضي المحتلة؟ المناطق؟ يهودا والسامرة؟ الحكم الذاتي؟ اسرائيل؟ فلسطين؟
هل في هذا العالم كله بلد واحد يحار الناس في تسميته هكذا؟!"
"بندقيته هي التي اخذت منا أرض القصيدة وتركت لنا قصيدة الارض...في قبضته تراب..وفي قبضتنا سراب"
"أصغي إلى صرختي التي فجأة انفلتت من صدري وانا أقف أمام قبره في ضاحية من ضواحي لندن،همست وانا انظر الى قدس التراب بكلمة واحدة هي:لا! قلتها تمتمة ، قلتها الى الداخل، لنفسي...
لكنني لم استطع أن استرد السكوت بعد ذلك..
تلك ال(لا) رفضت أن تنتهي، كبرت، ارتفعت...أعجز عن استردادها من الهواء كأنها علقت هناك في ذلك الرذاذ الذي كان يبللنا لكن كأنها تنوي أن تظل معلقة في السماء التي لم تكن بيضاء ولم تكن زرقاء ولم تكن تخصنا ولم تكن تعرفنا..."
"علمتني الحياة أن علينا ان نحب الناس بالطريقة التي يحبون أن نحبهم بها"
"أين اولاد هذه الام التي تنسج بنظارتها المائلة قليلاً كنزة من الصوف الكحلي..للمسافر الذي لا يكتب بانتظام"