رأيت ( المقاطعه)
الرابط : فلسطين
شوقيه عروق منصور
الدهشة التي انتابت الشاعر والكاتب الفلسطيني " مريد البرغوتي " عندما عاد الى الوطن ورأى مدينة رام الله دفعته للكتابة فكان كتابه الرائع " رأيت رام الله " والذي سطر فيه مشاعره وخذلانه ومرايا مقاومته التي تحطمت , حتى نجوم التفاؤل التي احتفظ فيها لكي تضيءاضطرابه في ليل الأحتلال المبطن بثوب السلطة الفلسطينية قد اصبحت ابتسامات استهزاء امام هول الصدأ الذي اصاب النفوس واصاب المدينة التاريخية .
لن أدخل في حلم الشاعر "مريد البرغوتي " الذي تكسر في ازقة وشوارع وبيوت رام الله , لكن سأدخل مكاناً في جغرافيا الوجع , محطة فلسطينية تسيل من حجارتها واسوارها ورخامها ووجوه حراسها دموعاً خفية , هذا الضيق المزنر بأسوار تشير للخيبة , مكاتب وقاعات متراكمة بصورة تنتحب من القهر , كأن المكان قد وعد العيون بصور جميلة لكن الواقع جر التنهدات الى ثمن لم يمر يوماً في الذاكرة .
" المقاطعة " مركز السلطة الفلسطينية , المكان الذي يصافح قوافل الضيوف , وتكون اللقاءات كرنفالات سياسية تريد التأكيد ان " المقاطعة " هي مربط خيولنا ومن هناك ستخرج احلام الشعب الفلسطيني , لكن من يحدق في مكاتبها وعماراتها يصيبه الذعر من الوجوه التي تلتقي وتقرر وتصافح وتستقبل وتودع وتريد ان تشطب وتسرق التاريخ ولا تقف وتتأمل جغرافية المكان المحصور الذي يشير الى الفقر والضعف , الى شراسة الأحتلال , مهما وصلت درجة حرارة التودد الفلسطيني ومهما كانت الأبتسامات واضواء وسائل الأعلام .
لا اريد فتح صفحات تاريخ "المقاطعة " ولا الحصار الذي فرضته اسرائيل على الرئيس عرفات ولا قبره الذي تحول الى واجهة توحى بقهر الزعماء او حين تموت اسرار الميراث , ويصير لغز الموت حزناً بدون ضوء يكشف الحقيقة .
" المقاطعة " التي تختصر العاصمة الفلسطينية, والتي نراها الحضن والأذرع والدفء والأبتسامات التي توحي بالتواجد , رأيتها تئن من الذل , ومن يحاول المراهنة على عكس المشاعر فليذهب الى هناك ويرى جيداً "مملكة ابو مازن " التي حاولت السلطة فرشها كقاعدة انطلاق لقوة الدولة , لكن المكان جاء بعيداً عن جمالية الحق والقدرة والقوة ," مقاطعة " محاصرة بالأهمال , اشواك ونباتات برية عالية وصخوراً ومحطات للباصات واكوام للنفايات وطرق غير معبدة , خارطة طبيعية ان دلت على شيء فأنها تدل على ان المكان لايليق بدولة وسلطة وزوار وضيوف ورؤساء , ان نبض المكان يستطيع رسم حالة الذين يسكنون المكان , فكيف بمكان يكتب ابجدية الواقع الذي يريد افراغ حمولة الدولة الفلسطينية , المكان لايليق , فنحن نغار من الشعوب التي تعتز بالقصور والأماكن التي يستقبلون بها طبقات السياسين والزوار , لانطالب بمكان كالبيت الأبيض , او قصر الأليزيه , او قصر عابدين , او قصر بكنغهام , لكن نطالب بمكان بعيد عن الفوضى والأعشاب وازدحام المكاتب جتى يخيل للزائر انه داخل محل تجاري, الأ يكفي ان الساسة والزوار اصحاب الياقات البيضاء لا يشاهدون الجدار العنصري والحواجز , لايشاهدون الأبواب الخلفية للمدينة التي اصبحت عاصمة بلا دولة وسجاجيداً حمراء تمد امام الزوار لكي تغطى حقيقة البؤس المتساقط من هيمنة الأحتلال .