"فاتها القطار " بقلم رنــاد

" فاتها القـطار"

الجــو رائــقٌ , والقمر قد طلع وهو تمام يختال في سمائه , ويجلس بين النجوم المتلألئة يرسل أشعته الفضية الى صفحات السماء ويغمر نصف الأرض بغلالة من نوره الفضي الجميل , والهواء اللطيف يتموج كأمواج اليم الهادئة فينبعث الى جسمي ويترك أثرا هادئا في نفسي .

أجلس على شرفة البيت أتأمل اللوحة الفنية التي تشترك بها بيوت وحوانيت الحارة وأناسها , وكأنهم لوحة امتدت رقعتها إلى أخر بيت من بيوت حارتنا , جميلة هي اللوحة بالرغم من وجود سلاسل الضجيج التي تطوقها , وكم أبغض الضجيج وأبغض الجلوس في أماكن تعم بها الفوضى , لكن روعة المنظر طغى على كل العيوب!

إن أجمل الساعات عندي تلك التي أخلو فيها بنفسي , فأستقبل أفراحي وأتراحي في مملكة روحي , أبتسم عندما أتذكر شيئا مضحكا وعندما أحزن أذرف من العبرات ما أبرد به من غلات تعتلج في صدري!

قد دقت باب مملكتي ذكرى جعلتني أتنفس الصعداء وأسعد بيني وبين نفسي لإنهائنا للامتحانات التي قيدت حريتي وأخذت الكثير من وقتي , واليوم قد شعرت أن الأغلال والقيود قد تركتني وكأني كنت في سجن وقد أطلق لي العنان لأفعل ما يحلو لي بعدما بلغا مني التعب والإرهاق مبلغهما .

وها أنا أعود ثانية لقلمي الذي انتظرني طويلا , عدت لك يا قلمي وكلي اشتياق لصرخاتك وتمردك على صفحاتي التي أثقلتها بأفراحي وأتراحي , بسعادتي وهمومي , عدت لك لتغدق على صفحاتي مواضيع عدة لا حدود لها !!

وعجبت جدا عندما تذكرت أنني ذات مساء كنت قد جلست في حديقة بيتنا الخضراء, وأنا قليلا ما أجلس في هذه الحديقة لأنها تطل على شارع حارتنا الرئيسي ودائما لا تخلو من رائحة الضجيج, خلال جلوسي الغريب , مرت بي ابنة عمي سجى وهي عائدة من مشوار يبدو ذو اهمية بالنسبة لها لأنها كانت متأنقة في لبسها , هي فتاة بعمري ,جميلة , هادئة بطبعها وخجولة جدا , وأحيانا أشعر أن ثقتها بنفسها معدومة ! جلست بجانبي وتبادلنا أطراف الحديث , أخبرتني عن أحوال المدرسة وأبناء صفي سابقا الذين تركتهم في بلدتنا وذهبت لأتعلم خارج البلدة , أخبرتني عن وضع المدرسة المأساوي من الناحية التحصيلية لأبناء المدرسة , أخبرتني عن إدارة المدرسة "الفاشلة" في تعاملها مع الطلاب ! وأخــيــرا أخبرتني خبر وقع على سمعي كالصاعقة, حدثتني عن ابنة صفي السابقة التي لم تبلغ 16 عاما أنها خطبت قبل يومين !!

خطبت قبل يومين وهي ما زالت طفلة؟!!

يا للدهشة الشديدة التي تنتابني كلما اسمع خبر كهذا, أخبار تمزق القلوب , وتجعل بريق الوعي يأفل رويدا رويدا !!!

كيف يمكن لفتاة عمرها ستة عشر ربيعا أن تتزوج وأن تدخل القفص الذهبي وهي لا تدري ما ينتظرها بداخله؟! كيف لها أن تتزوج وأن تأخذ على عاتقها مسؤولية ليس لها طاقة بها وغير قادرة على تحملها ؟!

قد واجهت هذه الظاهرة في بلدتي خاصة وفي مجتمعي عامة , ولاحظت أن أغلب فتيات سني قد تزوجن خشية من أن "يفوتها القطار " وكأنها قد بلغت الخمسين من عمرها وهي غير متزوجة!

يا للجهل الذي يدفع الفتيات للزواج ومن الجدير بالذكر أن الأهل لهم دور كبير في هذه القضية, فإنهم يشجعون بناتهم على ذلك ويظنون أنه خيرا لها أن تتزوج صغيرة من أن تبقى جالسة في البيت !

تلك الفتاة التي أخبرتني عنها ابنة عمي كانت زميلتي في المرحلة الإعدادية, عرفتها فتاة مجتهدة جميلة وتحب الحياة, وأكثر ما جذبني لها هو قوة شخصيتها, وقد تقدمت للخطوبة ومن ثم للزواج وهي على غير استعداد لتشارك شخص من الجنس الآخر في بناء أسرة مستقبلية, وقد تجاهلت مسألة التعليم الجامعي والعمل في المستقبل مما قد يسبب لها عدم استقلالية اقتصادية تخصها وزد على ذلك فإنها ستبقى جاهلة وستخسر أهم فترة في حياتها وهي مرحلة التعليم الجامعي وأي مجنونة تقبل أن تخسر تعليمها وهي تدرك أن التعليم بالنسبة للفتاة هو السلاح الوحيد في الحياة وبالأخص في هذه الدولة التي يصعب العمل بها بسبب الاحتلال , فكيف لها أن لا تتعلم ؟! , كيف لها أن تقبل بهذه الخطوة وهي جاهلة كيفية التعامل مع زوجها وكيفية التصرف في بيتها ومع أهل زوجها ؟!! كيف لها أن تتقدم لهذه الخطوة وهي تجهل ما معنى الأمومة وحتى إنها لم تقرأ عن هذا الموضوع الكتب اللازمة من أجل معرفة الخطوات التي يجب عليها فعلها لكي تصنع من أطفالها رجالا صالحين للمجتمع ؟! والأغرب من ذلك أنها سوف تتزوج قريبا وحتما سوف تنجب أطفال حسب قرارات "حماتها " وزوجها وأنا على يقين انه لن يكون لها رأي في ذلك وكأنها آلة بالنسبة لهم عليها أن تنظف وتطبخ وتنجب أطفال !! والعجيب في هذا أنها عندما تنجب طفلها الأول يكون عمرها سبعة عشر أو ثمانية عشر عاما , وحسب الدراسات العلمية فإن جسمها لن يكون ناضجا تماما وغير قادرا على تحمل كل هذا سوف تكون ضعيفة وهزيلة في فترة الحمل وما بعد ذلك أي إنها تذهب للهلاك بنفسها!! , والمضحك في هذا الأمر أن الطفل وأمه يكونان في عيادة الأطفال لأن الأم ما زالت طفلة لأنها لم تبلغ الثمانية عشر عاما بعد والطفل هو طفل في طبيعة الحال !!

وماذا عن حالتها النفسية ؟ هل تعتقد أنها سوف تكون سعيدة في حياتها الجديدة ؟! سوف تقضي حياتها بين أربعة جدران للطبخ والتنظيف , وزوجها سوف يقضي طول اليوم في العمل وعندما يعود منهك القوى سيخلد للنوم وستبقى الزوجة وحيدة لا أحد يسليها ولا مكان تخرج له , وهذا سيؤدي الى نشوب خلافات بين الزوجين ومشاكل عديدة , وتزداد المشاكل ويزداد سوء الفهم بين الزوجين " وتكبر القصة " وبالنهاية سوف يحل الطلاق (لا سمح الله) وبعدها ماذا تفعل الفتاة بنفسها ؟ وماذا كسبت من هذا الزواج المبكر ؟ هي التي جنت على نفسها وأوصلت نفسها لهذا الحال ! لذلك أليس من الأفضل لها أن تتعلم كي تعمل ولا تشعر بالملل! , ,ومن الجدير بالذكر أن بعض الزوجات يصيبهن كآبة الزواج أو كآبة الحمل وهذا يؤثر على حالتها النفسية ومزاجها , أليس من الأفضل أن تؤجل هذا الزواج حتى تبلغ من العمر عشرين عاما على الأقل !!

أتمنى أن يتلاشى هذا التخلف والجهل وأن تعدل كل فتاة بزهرة عمرها عن الزواج المبكر , ولتنعم بالطفولة في ظل والديها وأن تكسب العلم أولا ومن ثم الزواج , ولا تفكر بما تقوله الأم الجاهلة والجدة ذات العادات القديمة , وأن تنسى عبارة "فاتها القطار "!!!

[/b]

العزيزة رناد
هذا الموضوع شدني كثيرا.. وفي الاونة الاخيرة كثيرا ما نسمع عنه وخاصة بيننا, بسبب ازدياد العادة القبيحة وهي الزواج المبكر.. والمبكر جدا!! أذكر قبل شهر تزوجت فتاة كانت في صفي بالمرحلة الابتدائية اي عمرها يقل عن ستة عشر ربيعا!!!
وأعزي هذا الفشل الذريع للتخلف والجهل الذي يحظى به عدد لا بأس به في مجتمعنا المنغلق والمنكفئ على نقسه قليلا -لدى البعض على الاقل- ! وهذا يؤدي الى ظهور بعض عبارات "فاتها القطار" و"عنّست".. وما الى ذلك..
لكنني اختلف معك قليلا في وصفك الذي وصفت به حياتها بعد الزواج.
نعم هي سستعيش تطبخ وتكنس وتمسح وهذا بفعل انها لم تتعلم! ولكن لن تكون حياتها جحيم تماما كما وصفت..
نعم هي ستواجه الكثير الكثير من المشاكل في حياتها وخاصة بسبب الفارق الكبير جدا جدا بينها وبين زوجها.. حاولي 13 عاما او اكثر..
فهي بعد طفلة, لم تتذوق طعم الحياة بعد.. هي زهرة لم تتفتح بالكامل... هي برعم قيد النمو.. لم يخبر حالات الطقش المتطرفة
الكثيرة في هذه الحياة
ولكنها كسابقاتها من بنات جيلها.. ستحيى .. ستنجب.. ستطبخ.. ستكون اما بمرحلة مبكرة جدا.. والاخطر من ذلك.. لن تتعلم
التعليم -بالنسبة لي على الاقل- هو سلاحنا الوحيد المتبقي بعد ديننا.. لنبقى على هذه الارض ولا نبرح منها... لنعيش في هذه الدولة التي مصيرها عاجلا ام اجلا الى الزوال..فالجهل يولد اجيالا من الجهلة.. وفس مرحلة معينة من حياتنا.. سننظر الى الجيل الصاعد لنرى أمة قد خلف الزمن عليها اثار غبار ورائحة كريهة نتنة بفعل الجهل والتخلف.. سنجد بيننا شبابا غير طامحين وغير متطلعين للمستقبل.. غير قارئين, غير مثقفين او واعين.. مما حتما وقطعا سيؤدي لمجتمع فاسد تنتشر بينه الجرذان الضريرة لتخلف دمار شامل!!
وهذا الفشل المسؤال عنه اولا واخيرا الاهل غير الواعين على مستقبل بناتهم.. والذين يظنون ان سعادتها وامانها فقط في عش الزوجية.. دون النظر لمستقبلها التعليمي والمهني وغيره..
اتمنى من كل قلبي ان تتغير هذه العادة..
شكرا لك رناد على الخاطرة الرائعة.. على الكلمات التي يقشعر لها جسدي.. فهذا وقع مرير جدا.. كم اتمنى لو يتغير..
دمتِ!

يعطيكي 1000 عافية

عزيزتي نــور: نعم هي عادة قبيحة منتشرة في مجتمعنا وما أكثر العادات القبيحةالتي انتشرت في مجتمعنا مؤخرا..

أعتقد أنني لم أبالغ في وصف حياة الفتاة التي تتزوج باكرا بعد الزواج وربما الوضع يكون أسوأ من ذلك, والبيوت أسرار كما تعلمين..

قضية التعليم بالنسبة للفتاة هي قضية مهمة جدا وعلى وجه الخصوص في هذه الأيام وهذه الأوضاع التي نحياها, فالفتاة الغير واعية لتعليمها والتي لم تدرك أن التعليم هو سلاحها الوحيد فإنها سوف تواجه الكثير والكثير من المصاعب!

بعض الفتيات يقلن أن الزواج المبكر هو نتيجة ضغط الأهل على البنت أو غصبها رغما عنها على ذلك , وبالنسبة لي اعتقد أن هذه ليست بمشكلة كبرى , لأنه من الممكن أن تتمرد البنت على قرارات أهلها الجائرة , أو تحاول إقناعهم أن هذا القرار مبكر ويجب تعديله , أو عليها أن تتكلم مع قريب أو قريبة لها يساعدونها على التخلص من هذه المشكلة , لكن هذا بحال وكانت الفتاة واعية , أما إن لم تكن واعية فإنها ستتزوج برضاها حتما وسوف تنجب وتربي على اللا وعي وبذلك سوف تصنع أمة غير واعية وهذا ما يؤدي إلى الفساد الاجتماعي والمشاكل الحياتية!!!

مرورك وتعليقك كانا لهما وقع طيب على قلبي, شكرا لك ألفا, ودمت لنا.

عزيزتي آية شكرا لك على المرور, وعافاكِ الله وأدامكِ لــنــا.

الزواج المبكر... عار على كل اب يرضى ان يحرم طفلته طفولتها، ويبيعها كسلعة رخيصة، وعار على كل رجل يقبل ان ينقل طفلة من جنة طفولتها، الى جحيم واقعه، وعار على المجتمع الذي يرضى ويسكت ويبارك هذه الجريمة

موضوع خطير وجد مثير، شكرا رناد على اثارة هذا الموضوع، وشكرا على اسلوبك الجميل في اثارته

مرور كريم وتعليق مكتنز بمعاني كبيرة وواقع مرير حالته مؤسفة , أتمنى ان نتخلص من هذه الظاهرة السيئة ، وأشكركَ على ثناؤكَ يا أخي .
تقديري واحترامي
شكرا لكَ

» عـُدتُ للحيـاة - بقلم رنــاد
» **أخـْـشّـى ألْـحـُـبَ** بقلم رنــاد
» خربــشــات عــشــوائــيــة .. بقلم : رنــاد
» بينَ ثلاثة قبورٍ -بقلم رنــاد
» خربــشــات عــشــوائــيــة *2* .. بقلم : رنــاد