الاردن والثورة وأنا - الجزء الثاني

في عام 1917 قاد لينين الثورة البلشفية، وانهى حكم قياصرة روسيا، ومن نتائج هذه الثورة المباشرة، ان تم كشف الوثائق الموجودة في خزانة وزارة الخارجية الروسية على العلن، ومن ضمنها اتفاقية سايكس بيكو، المعلومات وصلت للقائد الحكيم، والذي قرر بعد مشاورات مع جهله وغبائه، ان لا يلقي لها بالا، واستمرت الحكاية.

دخل الانجليز دمشق بعد ان دخلها العرب، وعم الاضطراب، انتهت الحرب، ولم يعد أحد يذكر او يريد حتى ان يذكر ما تم الاتفاق عليه مع الحسين بن علي، بمن فيهم اولاده، الجيش الفرنسي رابط في لبنان استعدادا لدخول سوريا، وفيصل سافر الى مؤتمر سان ريمو، املا ان يحصل على سوريا، المتشددون القوميون في سوريا طالبوا ان يصبح فيصل ملكا عليهم، فيصل فشل في سان ريمو، وعاد الى سوريا وتم اعلانه ملكا فيها، وتم اعلان عبدالله ملكا على العراق!

الحسين استشاط غضبا، اولاده يقسمون كعكته فيما بينهم، والسعوديون يقودون حملة ضده قادمة من نجد، والمؤشرات كلها تشير، ان بعد نهاية الثورة العظيمة لم يعد احد يلقي بالا لقائدها العظيم!

الفرنسيون انقضوا على المملكة الحديثة، في موقعة ميسلون، واستشهد وزير الدفاع يوسف العضمة، وهو اول وزير دفاع عربي يستشهد في حرب، وربما هو الاخير ايضا، ويوسف العضمة له حكاية، فهو من مواليد حي الشاغور بدمشق عام 1884، كان ضابطا في الجيش العثماني تدرج في المناصب حتى اصبح رئيس اركان الجيش العثماني الاول في الاستانة، وبعد ان وضعت الحرب اوزارها عاد الى دمشق، ثم اصبح مرافقا لفيصل، فرئيسا لاركانه الحربية فوزيرا للدفاع، وقد تمكن خلال فترة قصيرة ان يجهز اول جيش سوري وقوامه 10000جندي، عندما علم ان الفرنسيين يستعدون لمهاجمة سوريا قال مقولته الشهيرة " لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى يراق على جوانبه الدم"

استشهد يوسف العضمة في معركة ميسلون، تاركا ابنته ليلى وراءه، التي سافرت فيما بعد الى تركيا برفقة والدتها وفيها توفيت.

فيصل غادر سوريا في اليوم الثاني للمعركة، وتنقل في اوروبا حتى انتهى به المطاف في لندن، عبد الله الذي جمع بعض الرجال لنجدة مملكة اخيه، قادما من الحجاز، لم يتجاوز الاردن، ورابط فيها، لا لغاية معلنة، الا انه يريد ان يرى ما ستؤول اليه الامور.

البريطانيون عينوا فيصل ملكا على العراق، وعينوا عبدالله اميرا على امارة شرق الاردن، والحسين بن علي خرج "بسواد الوجه".

في الحجاز الوضع كان يزداد سوءا، الحسين عين ابنه علي ملكا على الحجاز، ولجأ الى امارة ابنه عبد الله في شرق الاردن، والسعوديون اطاحوا بعلي واستولوا على الحجاز بعد ذلك بخمسة عشر شهرا، اما البريطانيون، فققرروا ان ينفوا الاب من امارة ابنه، فأبعدوه الى قبرص، تركيا تحتضن الحسين بن علي للمرة الثالثة!، وفي قبرص مرض ومات، ثم عاد جثة هامدة الى عمان واخيرا دفن في القدس، التي فرطت رسائله بها!

لم تتغير الاردن في عهد عبد الله وانما تغير اسمها فاصبحت مملكة، الملك عبد الله اختير قائدا عاما للجيوش العربية المحاربة في فلسطين عام 1948، ثم ضم الضفة الغربية للاردن عام 1949، ثم أغتيل عند باب الاقصى في تموز من عام 1951.

خلفه ابنه طلال، والذي لم يكمل حكمه العامين، ثم انقضت عليه الاسرة المالكة، واعلنت جنونه، واكمل حياته في مستشفى للامراض العقلية في تركيا، والغريب ان الملك طلال قد كتب مذكراته، وطبع الكتاب ونشر، ثم سُحب، ولا تستطيع ان تجد نسخة منه على الانترنت.

الحسين استلم الراية، الاحداث في عهده كبيرة جليلة، علاقاته مع الاسرائيليين لم تكن سرا، وتحذيره للاسرائيليين قبل حرب اكتوبر1973 مذكور في مذكرات العديد من قادتهم، ومذكور في العديد من البرامج الوثائقية الخاصة بتلك الحقبة.

مرت على الحسين حروب واحداث عدة ، حرب 1956، وحرب 1967، ومعركة الكرامة، وايلول الاسود، ثم حرب 1973، ثم حرب لبنان 1982، ثم الانتفاضة الاولى، فحرب الخليج الاولى، فمعاهدة السلام، فوفاة رابين! وهو الذي بكى على رابين امام كاميرات الاعلام، كأنما يبكي امه!

اصيب الحسين بالسرطان، وقبل وفاته، وفي مشهد تمثيلي عالمي، يستحق عنه الاوسكار، عاد فابعد أخاه الذي قضى عمره وليا لعهده، وغير دستور بلده، ليسمح لاحد ابناءه بعينه، ان يصير وليا لعهده، ثم عاد للمستشفى مرة اخرى ليموت فيلقى ربه فيساله عمّا فعله.

والطريف، ان زوجته ليزا، والتي يعرفها الجميع باسم نور، قد نشرت مؤخرا مذكراتها، وليزا او نور هذه، مهندسة معمارية امريكية، عملت في شركات عالية للطيران، قبل ان تنتقل لتعمل في القصر الملكي بلا وظيفة، ثم تتزوج ملك البلاد، وبغض النظر عما ورد في كتابها من تخاريف، وهي تخاريف خطيرة، لان الكتاب ليس موجها للعرب، الذين يعلمون كذبه وافتراءه، ولكنه مكتوب ومنشور بالانجليزية، للشعوب الجاهلة بنا، والكتاب يحمل تهجما واضحا على الفلسطينيين بالذات. ولكن اطرف ما في الكتاب، ما ترويه هذه المغفلة عن زوجها، انه إبان حرب 1967، لبس زيه العسكري، وتوجه الى الحدود، ليتابع الحرب، فإذا بغمامة سوداء تتحرك معه وتظلله، طيلة فترة ذهابه وعودته، لتخفيه عن اعين الطائرات، وان هذه الغمامة اختفت بمجرد عودته سالما للقصر، الجاهلة المتجاهلة تريد ان تحرف قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع الغمامة وتسقطها على زوجها الذي هو ابعد ما يكون عن اي قداسة.

لم يحكم الاردن احد بعد الحسين، او على الاقل لا احد يشعر ان هناك من يحكمه، فالملك الغرّ الجديد ، ليس له انجازات تحسب له، اللهم ان معظم الاراضي الاردنية في عهده اصبحت مملوكة لاسرائيليين، وطبعا لا ننسى القضاء على الفئة العاملة ليزيد البطالة الى الحد الذي يمكنه من ان يتسول مبالغ اكثر، ينفقها على هوايته المفضلة، القمار.

في اليوم التاي لدخولي الاردن، كنت اهم بالمغادرة، في مطار الملكة علياء الدولي، ابتسم الموظف المختص بتدقيق الجوازات في وجهي مودعا، وخاطبني بود " متى ستزورنا مجددا؟" اخذني بعض الصمت، والحيرة، الفرق شاسع بين الترحاب والوداع، من الذي يقول ان الوداع يدمي القلوب؟ في الاردن الاحوال معكوسة، جلست مرة افكر طويلا في الفلسفة الكامنة وراء شعار "الاردن اولا" ولم اصل لنتيجة، واليوم وبعد ما رايته بعيني، عرفت ان هذا الشعار هو عنوان لموضوع لم يكتب فيه شيء.

بالرغم من ابتسامته الودودة، لم ادر بم اجيبه، اكتفيت بإيماءة من راسي، والتفت عنه مغادرا...

جواز سفر 25/2/2008

أخـــي جــواز سفر...أولاً أشكرك على هذا المقال الذي يحتوي على كلمات لها مذاق خاص ولونٌ خاص...كلماتك تُظهر لي بأنك رجل سياسي .. محلل سياسي..مؤرخ..لا أعلم ماذا...لكن كلماتك توحي لي إنك شخص عــظــيـــم....!!
بالرغم من إني لم أستطع فهم كل ما نسجته في هذه الصفحة..إلا انني استطعت أن أتقن بعض أبجديات التاريخ..فللتاريخ فنه بالتعامل مع القدر..حقا انك شاب قدير يستحق التقدير..لديك معلومات لم اسمع عنها من قبل..الشكر الجزيل لك..وأنتظرالاجزاء الاخرى..

الاخت الغالية والصديقة الصادقة رناد، شكرا على المديح الذي لا استحقه، تسرني جدا ردودك، وانا مستعد لتوضيح ما استعصى عليكي فهمه من هذا المقال، واعترف بخطأي، فقد تعمدت استخدام السرد السريع، وتلخيص الاحداث، لتجنب الاستطراد الممل، ولان موضوع المقال، وهو الثورة العربية الكبرى، يحتاج لمجلد لتفصيل احداثه وليس مقال واحد، وبالمناسبة لا توجد اجزاء اخرى لهذا المقال ، فقد انتهينا في اخر الجزء الثاني بالملك عبدالله الثاني ملك الاردن الحالي .

شيء اخر اود اضافته، اننا نرى التاريخ ونحلله بشكل افضل واوضح، مما نرى الحاضر، فعندما ننظر للتاريخ، نستطيع ان نرى الاحداث الممتدة على فترة طويلة من الزمن، اي اننا نرى الاسباب والاحداث والنتائج، اما الحاضر، فنحن نرى اسبابا واحداثا ولكن بلا نتائج، مثلا لو سألني احدهم : هل ترى ان ما قامت به حماس من السيطرة على قطاع غزة هو شيء مفيد للقضية ام لا؟ فلن استطيع او يستطيع احد ان يجيبه، ولكن بعد عشر سنوات سنكون قادرين على اجابة مثل هذا السؤال.

ايها الصديق جواز سفر...
هذه المعلومات التي خطّها التاريخ, يدرّسونها عندنا لامتحان "البجروت" في اسرائيل او ما يسمونه بالتوجيهي في الضفة, ولكن التدريس يتم على اساس, حروف وكلمات واحداث نسجها التاريخ,وجاء المؤرخون, خطّوها على الورق, وكتبوا عنها الكتب, ونشروها, ليقرأها الملمّون, ويملّها الآخرون!
ولكن ما وراء هذه السطور, يسلبني تفكيري, وأريد أن افهم. مدرّسنا استاذ التاريخ, ليس كباقي المدرسين, يطلعنا على رأيه دائما, وبهذا الموضوع بالذات, كانت لنا وقفة كبيرة, على أطلال هذه الأحداث بالذات, وخصوصاً الأردن, لذلك أجدني أملك خلفية ولو بسيطة عن الموضوع.
ومع انك لم توضع رأيك بفقرة واضحة وصريحة, وانما كتبت لنا تاريخ, فبطريقة او باخرى, بطريقة سردك, كأنك أبديت رأيك, أو أبديت أفكارك حول الموضوع.
تعجبني هذه المقالة جدا!!!! طريقتك في الكتابة مميزة جدا, مع انه تاريخ
ودّي ووردي

عــزيـــزي جواز سفر...سعدت جدا بردك ..
قد قرأت عن بعض ما نسجت في المقالة في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) وقد إتضحت لي الصورة..
شكرا لك على هذه المقالة..ولا تبخل علينا بمقالات من هذا النوع..التي نستفيد منها..
قد أصبت في حديثك عن التاريخ..وسوف نرى ما هي نتائج أفعال حماس ربما في المستقبل القريب...وأتمنى ان تكون لصالح القضية..ولا تُخيب آمالنا..
تقبل تحياتي الحارة

أشكر لكما يا نور ورناد تواصلكما مع الموضوع، فتاريخ ما يسمى بالاسرة الهاشمية لم يحدد تاريخ الاردن فحسب، بل حدد تاريخ بلاد الشام والعراق ايضا.
رايي المتواضع - يا نور- ان الثورة العربية الكبرى، هي خيانة كبرى فاحشة ومقززة و غبية!
فعندما تنقلب على الحكم وعلى الدولة وتقود تمردا عليها في وقت الحرب مع اعدائها واعدائك، فتلك خيانة، وعندما يكون هذا الانقلاب بالتنسيق والاتفاق مع اعداء دولتك واعدائك فتلك خيانة كبرى، وعندما يتضمن ذلك الاتفاق التفريط في جزء من الارض التي تعود لدولتك وشعبك، كما فرط قائد الثورة الحسين بن علي بفلسطين ولبنان ولواء الاسكندرونة خلال مراسلاته واتفاقاته مع البريطاني مكماهون قبل بدء الثورة، فتلك خيانة كبرى فاحشة، وعندما تحوي الارض التي فرطت بها واحد من اهم مقدسات دينك، كما فرط قائد الثورة بالقدس والاقصى وهو شريف مكة! ورمز من رموز الدين في ذلك الوقت، فتلك خيانة كبرى فاحشة ومقززة.
اما عندما تنفذ كل ما اتفقت عليه مع اعدائك وتثور على دولتك وتؤدي دورك في الاتفاق بالكامل دون ان تملك اي ضمانة ان اعداءك سينفذون دورهم و يفون بوعودهم، فيغدروا بك، ويحتلوا بلادك!! فتلك قمة الغباء.
لذلك -برأيي- الثورة العربية الكبرى هي خيانة كبرى فاحشة ومقززة وغبية.

شكرا أخي على المقال

لقد أفدتني بمعلومات لم أكن أعلمها من قبل

» الاردن والثورة و انا - الجزء الاول
» برق سحابة لم تمطر الجزء الثاني
» على هامش فلسطين - الجزء الثاني - السلطان الاحمر
» على هامش فلسطين - الجزء الاول - القسطل
» التكفير والثورة